الحديث ١١
التنافس في نصرة الإمام
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ [ت٢١٣هـ] فِي «سِيرَتِهِ»[٢]، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
إِنَّ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ -الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ- كَانَا يَتَصَاوَلَانِ[٣] فِي الْإِسْلَامِ كَتَصَاوُلِ الْفَحْلَيْنِ، لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا إِلَّا قَالَتِ الْخَزْرَجُ: «وَاللَّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهِ أَبَدًا فَضْلًا عَلَيْنَا فِي الْإِسْلَامِ»، فَلَا يَنْتَهُونَ حَتَّى يُوقِعُوا مِثْلَهُ، فَإِذَا صَنَعَتِ الْخَزْرَجُ شَيْئًا، قَالَتِ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصَابَتِ الْأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الْخَزْرَجُ: «وَاللَّهِ لَا نَنْتَهِي حَتَّى نُجْزِئَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِي أَجْزَءُوا عَنْهُ»، فَتَذَاكَرُوا: «مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ؟» فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرَ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَقَالَ: «لَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَلَا امْرَأَةً».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِيهِ؛ فَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ حِينَ خَرَجُوا إِلَيْهِ عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ وَالنِّسْوَانِ»[٤]، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى زَمَنَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ يُقْتَلَ وَلِيدٌ صَغِيرٌ أَوِ امْرَأَةٌ»[٥]، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «عَنْ عَمِّهِ»[٦]، وَعَمُّهُ سَهْلُ بْنُ مَالِكٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ»[٧]، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ: «حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ ابْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ»[٨]، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا، فَلَعَلَّهُ رَوَى عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَافُسِ فِي نُصْرَةِ الْإِمَامِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾[٩]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[١٠]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾[١١].