الحديث ٥٠
كراهية السؤال عن صفات اللّه بعد معرفة وجوده
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سَأَلَ عَنْهَا رَجُلَانِ، وَهَذَا الثَّالِثُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ رِجَالًا سَتَرْفَعُ بِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُولُوا: اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَهُ؟!»
فَكَانَ مَعْمَرٌ يَصِلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَيَقُولُ: «اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ كَائِنٌ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «سَتَرْفَعُ بِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُولُوا»، يَعْنِي سَتَبْلُغُ بِهِمْ كَثْرَةُ السُّؤَالِ هَذَا الْمَبْلَغِ، وَفِيهِ ذَمُّ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ بِمَا لَا دَاعِيَ لَهُ؛ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «لَيَتَعَمَّقَنَّ أَقْوَامٌ مِنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنِي، فَمَنْ خَلَقَهُ؟!»[٢] وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الشاهد ١
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ السَّكُونِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ سَعِيدُ بْنُ مَرْزُبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: عَمَّا لَا يَكُونُ[٤]- حَتَّى يَقُولُوا: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟!»
الشاهد ٢
وَرَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يَزَالُونَ يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟!»
الشاهد ٣
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَ، يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: اللَّهُ خَالِقُ النَّاسِ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟! فَعِنْدَ ذَلِكَ يَضِلُّونَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنِ اهْتَدَى إِلَى وُجُودِ اللَّهِ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ صِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ وَاحِدَةٌ، فَلَا يَسْأَلُ عَنْ صِفَاتِهِ إِلَّا الضَّالُّونَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنَّهُمْ قَالُوا: «اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ»[٧]؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ الْوَصْفِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا الَّذِي هُوَ أَنَا»[٨]؛ إِذْ لَا وَصْفَ لَهُ أَجْمَعُ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ هُوَ «اللَّهُ»، وَكُلُّ صِفَاتِ الْكَمَالِ مُجْتَمِعَةٌ فِي هَذَا الْإِسْمِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[٩]، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِهِ الصَّادِقِ أَنَّهُمَا قَالَا: «إِنَّ النَّاسَ لَا يَزَالُ بِهِمُ الْمَنْطِقُ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ ذَلِكَ فَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»[١٠].