الحديث ٢
«إِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامِ هُدًى»
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ [ت٢٧٩هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»، وَقَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».
الشاهد ١
وَرَوَى أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ الرَّزَّازُ [ت٢٩٢هـ] فِي «تَارِيخِ وَاسِطَ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْثَرُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِيَ الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ، لَنْ يَضُرَّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَهُمْ ثَوْبَانُ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاوِيَةُ، وَقُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ الْمُزَنِيُّ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ الْكِنْدِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ مُرَّةَ الْبَهْزِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَدْخَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَتَى كَانَ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْحَقِّ؟! أَحِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَفَتَنُوا أَصْحَابَهُ، أَوْ حِينَ قَتَلُوا حُسَيْنًا وَطَافُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَادِ، أَوْ حِينَ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَسَفَكُوا دِمَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ[٣]؟! كَلَّا، بَلْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى الْبَاطِلِ مُنْذُ كَانُوا، وَسَيَكُونُونَ أَعْوَانَ السُّفْيَانِيِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي فَضْلِهِمْ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا وَضَعَهُ شِيعَةُ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى عَهْدِ مُعَاوِيَةَ وَمَرْوَانَ وَآلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيَقُولَ كَذِبًا، وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾[٤]، وَقِيلَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ لِمَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»[٥]، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: «لَا تَزَالُ الْعَرَبُ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»[٦] يَعْنِي طَائِفَةً مِنَ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرْبِ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ وَهِيَ مِنْ أَثَاثِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الشِّدَّةِ وَالْبَأْسِ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَئِمَّةُ الْهُدَى. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ ذَكَرَهُمْ بَعْدَ التَّخْوِيفِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ؟ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامِ هُدًى حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
الشاهد ٢
وَرَوَى الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَكِنْ لَا تَزَالُ فِي أُمَّتِي طَائِفَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».