الحديث ١٢
النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نهى عن منع من سأل ليعلم.
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي؛ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا الْأَيَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ-، قَالَ:
أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَاعِدٌ وَعِنْدَهُ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: أَلَا تُعْطِينِي شَيْئًا أَتَعَلَّمُهُ وَأَحْمِلُهُ، وَيَنْفَعُنِي وَلَا يَضُرُّكَ؟ فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ، اجْلِسْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، فَإِنَّمَا سَأَلَ الرَّجُلُ لِيَعْلَمَ»، قَالَ: فَأَفْرَجُوا لَهُ حَتَّى جَلَسَ، قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ أَوَّلَ أَمْرِ نُبُوَّتِكَ؟ قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ مِنِّيَ الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ مِنَ النَّبِيِّينِ مِيثَاقَهُمْ، ثُمَّ تَلَا: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾[٢]، وَبَشَّرَ بِيَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ، وَرَأَتْ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهَا سِرَاجٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ»، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَاهِ؟ وَأَدْنَى مِنْهُ رَأْسَهُ، وَكَأَنَّ فِي سَمْعِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَوَرَاءَ ذَلِكَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حُجْرُ بْنُ حُجْرٍ الْكَلَاعِيُّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُمْ، فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانٍ فِي «الثِّقَاتِ»[٣]، وَزَعَمَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الشَّامِ[٤]، وَزَعَمَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُ مِنْ تَابِعِي الشَّامِ الْمَعْرُوفِينَ الْمَشْهُورِينَ[٥]، وَقِيلَ: قَتَلَهُ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ[٦]، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ هُوَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ تُؤَيِّدُهُ:
الشاهد ١
رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ».
الشاهد ٢
وَرَوَى الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى»، وَبُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.
الشاهد ٣
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[٩]، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارِ أَبُو الْعَلَاءِ الْخُرَاسَانِيُّ، أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ مِنْ ذَلِكَ، دَعْوَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةَ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَإِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ».
الشاهد ٤
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ [ت٢٣٣هـ] فِي «تَارِيخِهِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي، وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي، فَبَطَحَانِي لِلْقَفَاءِ، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، ثُمَّ أَظُنُّهُ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ -يَعْنِي خُطَّهُ- فَحَاصَهُ، وَخَتَمْ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتُبِسَ بِي، فَقَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ، فَرَحَّلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكَبَتْ خَلْفِي، حَتَّى بَلَغَتْنِي إِلَى أُمِّي، فَقَالَتْ: أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي، وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ حُجْرِ بْنِ مَالِكٍ الْكِنْدِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ الْكَلَاعِيِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا مِنَ الرَّاوِي، فَيُمْكِنُ إِلْحَاقُهُ بِالشَّوَاهِدِ:
الشاهد ٥
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ حُجْرِ بْنِ مَالِكٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَهْزٍ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَاعِدٌ عِنْدَ حَلْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: أَلَا تُعَلِّمُنِي شَيْئًا تَعْلَمُهُ وَأَجْهَلُهُ، وَيَنْفَعُنِي وَلَا يَضُرُّكَ؟ فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ مَهْ، اجْلِسْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، فَإِنَّمَا سَأَلَ الرَّجُلُ لِيَعْلَمَ»، فَأَفْرَجُوا لَهُ حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ أَمْرِ نُبُوَّتِكَ؟ فَقَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنِّيَ الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ مِنَ النَّبِيِّينِ مِيثَاقَهُمْ، وَتَلَا: ﴿وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾، وَبَشَّرَ بِيَ الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَرَأَتْ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهَا سِرَاجٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ»، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَا؟ وَأَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ، وَكَأَنَّ فِي سَمْعِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَوَرَاءَ ذَلِكَ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ»، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا.