الحديث ٤٤
لا تكون الأرض إلّا وفيها عالم، وقد يكون العالم غير ظاهر.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ:
«كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، مِنْهَا مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ عَامًا لَيْسَ فِيهَا نَبِيٌّ وَلَا عَالِمٌ ظَاهِرٌ»، قُلْتُ: فَمَا كَانُوا؟ قَالَ: «كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ»، قُلْتُ: فَمَا كَانُوا؟ قَالَ: «كَانُوا مُؤْمِنِينَ»، ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَلَا يَكُونُ الْأَرْضُ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ»، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ: «خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً»، وَعَنِ الْكَلْبِيِّ: «خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً»، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ» مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ خَمْسُمِائَةٍ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ [ت٣٥٤هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ مَكَثَ أَصْحَابُ الْمَسِيحِ عَلَى سُنَّتِهِ وَهَدْيِهِ مِائَتَيْ سَنَةٍ»، وَلَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِضَلَالِ أَكْثَرِهِمْ بَعْدَهُ اتِّبَاعًا لِبُولُسَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى سُنَّةِ الْمَسِيحِ وَهَدْيِهِ ظَاهِرًا مَشْهُورًا إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ عُلَمَاؤُهُمْ مَسْتُورِينَ مَغْمُورِينَ؛ كَمَا جَاءَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: «مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ عَامًا لَيْسَ فِيهَا نَبِيٌّ وَلَا عَالِمٌ ظَاهِرٌ»، وَرُوِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّصَارَى وَعَدَاوَتَهُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾[٤]، فَقَالَ: «أُولَئِكَ كَانُوا قَوْمًا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ مَجِيءَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ».
شاهد
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، جَمِيعًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، جَمِيعًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَا جَاءَهُ الْوَحْيُ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ مُخْتَفِيًا خَائِفًا لَا يَظْهَرُ، حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْدَعَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، فَأَظْهَرَ حِينَئِذٍ الدَّعْوَةَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِخْفَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَعْوَتَهَ بِضْعَ سِنِينَ فِي بِدَايَةِ نُبُوَّتِهِ أَمْرٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ[٦]، وَقَدْ جَرَى مِثْلُهُ لِبَعْضِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾[٧]، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ» مَا يَدُلُّ عَلَى غَيْبَةِ إِدْرِيسَ وَصَالِحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ[٨]، وَمَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِإِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «انْطَلِقْ مِنْ هُنَا، وَاتَّجِهْ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأُرْدُنِّ، فَتَشْرَبَ مِنَ النَّهْرِ، وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ»، فَانْطَلَقَ وَعَمِلَ حَسَبَ كَلَامِ اللَّهِ، وَكَانَتِ الْغِرْبَانُ تَأْتِي إِلَيْهِ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ صَبَاحًا وَبِخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَسَاءً، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنَ النَّهْرِ[٩]. ثُمَّ اخْتَفَى مَرَّةً أُخْرَى، إِذْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِيزَابِلُ امْرَأَةُ أَخَابَ فَتَوَعَّدَتْهُ بِالْقَتْلِ، فَخَافَ وَهَرَبَ لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ[١٠]، وَكَانَ فِي زَمَانِهِ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُقَالُ لَهُ عُوبَدْيَا، فَحِينَ بَدَأَتْ إِيزَابِلُ بِقَتْلِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، أَخْفَى مِائَةَ نَبِيٍّ مِنْهُمْ فِي مَغَارَتَيْنِ، فِي كُلِّ مَغَارَةٍ خَمْسِينَ نَبِيًّا، وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِمْ بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ[١١]، وَإِذَا جَازَ هَذَا لِلنَّبِيِّينَ فَهُوَ لِلْعَالِمِ أَجْوَزُ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَطَاءٍ الْيَحْبُورِيِّ، قَالَ: «قَالَ لِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا عَطَاءٍ إِذَا فَرَّتْ عُلَمَاؤُكُمْ، حَتَّى يَكُونُوا فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ مَعَ الْوُحُوشِ؟ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَلِمَ يَفْعَلُونَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟! قَالَ: يَخَافُونَ أَنْ تَقْتُلُوهُمْ، قُلْتُ: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟! قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا أَبَا عَطَاءٍ، أَوَ لَمْ يَرِثِ الْيَهُودُ التَّوْرَاةَ، فَضَلُّوا عَنْهَا؟! أَوَ لَمْ يَرِثِ النَّصَارَى الْإِنْجِيلَ، فَضَلُّوا عَنْهُ، وَتَرَكُوهُ؟! وَإِنَّهَا سُنَنٌ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا سَيَكُونُ فِيكُمْ مِثْلُهُ»[١٢].