الحديث ٢٩
إنّ الأرض لا تخلو من إمام من مات بغير معرفته وبيعته مات ميتة جاهليّة.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ؛ فَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ الزُّهْرِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، وَيَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، جَمِيعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ زَيْدٌ؛ فَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ عُمَرَ:
الشاهد ١
فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْآخَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الشاهد ٢
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ [ت٢٩٢هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٣]، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِيءٍ؛ وَرَوَى ابْنُ قَانِعٍ [ت٣٥١هـ] فِي «مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ»[٤]، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ شَرِيكٍ، جَمِيعًا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ، حَدَّثَنَا خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ مَاتَ تَحْتَ رَايَةِ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ، فَقِتْلَتُهُ قِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ؛ كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَقِتَالَ عِمِّيَّةٍ، وَمِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ»، قَالَ: قُلْتُ: مَا قِتَالُ عِمِّيَّةٍ؟ قَالَ: «إِذَا قِيلَ: يَا لَفُلَانُ، يَا بَنِي فُلَانٍ»، قَالَ: قُلْتُ: مَا مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ؟ قَالَ: «أَنْ تَمُوتَ وَلَا إِمَامَ عَلَيْكَ».
الشاهد ٣
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ نَاكِثًا لِبَيْعَتِهِ لَقِيَهُ وَهُوَ أَجْذَمُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَمَنْ مَاتَ لَيْسَ لِإِمَامِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الشاهد ٤
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّصْرِيِّ، عَنْ ثُمَيْلٍ الْأَشْعَرِيِّ -وَكَانَ صَاحِبَ أَبِي الدَّرْدَاءِ- أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا، فَقَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ، إِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ نَاكِثٌ بَيْعَتَهُ، لَقِيَهُ وَهُوَ أَجْذَمُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ شِبْرًا مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمِيرُ جَمَاعَةٍ وَلَا لِأَمِيرِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلِوَاءُ الْغَادِرِ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
الشاهد ٥
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ [ت٢٣٠هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٨]، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ خَلَعَهَا بَعْدَ عَقْدِهِ إِيَّاهَا لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ».
الشاهد ٦
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ [ت٣٥٩هـ] فِي «حَدِيثِهِ»[٩]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرَاسَةَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ -رَجُلٍ مِنَ النَّخَعِ-، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يُبَايِعْنِي فَلْيُبَايِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: <مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ عَامَّةٍ، فَهِيَ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، يُحَاسَبُ بِمَا عَمِلَ فِي الْإِسْلَامِ>».
الشاهد ٧
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمِ بْنِ الْبَرَاءِ الْجِعَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنْ وُلْدِي مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَيُؤْخَذُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ».
الشاهد ٨
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، وَيَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَلْمَانَ وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ وَمِنَ الْمِقْدَادِ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَى جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَا: «صَدَقُوا وَبَرُّوا، وَقَدْ شَهِدْنَا ذَلِكَ وَسَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ سَلْمَانَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ: <مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>، مَنْ هَذَا الْإِمَامُ؟ قَالَ: <مِنْ أَوْصِيَائِي يَا سَلْمَانُ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنْهُمْ يَعْرِفُهُ فَهِيَ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، فَإِنْ جَهِلَهُ وَعَادَاهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَلَمْ يُعَادِهِ وَلَمْ يُوَالِ لَهُ عَدُوًّا فَهُوَ جَاهِلٌ وَلَيْسَ بِمُشْرِكٍ>»[١٢].
الشاهد ٩
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ [ت٢٧٤هـ] فِي «الْمَحَاسِنِ»[١٣]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ النَّخَعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْمُغِيرَةِ النَّصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامِ جَمَاعَةٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، قَالَ الْحَارِثُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: فَلَقِيتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَمَا مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ؟ قَالَ: «مِيْتَةُ كُفْرٍ وَضَلَالٍ وَنِفَاقٍ».
الشاهد ١٠
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١٤]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: جَاهِلِيَّةً جَهْلَاءَ، أَوْ جَاهِلِيَّةً لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ؟ قَالَ: «جَاهِلِيَّةَ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ وَضَلَالٍ».
الشاهد ١١
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٥]، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «لَا تُتْرَكُ الْأَرْضُ بِغَيْرِ امَامٍ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾[١٦]»، ثُمَّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: <مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>»، فَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ، وَفَتَحُوا أَعْيُنَهُمْ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَتِ الْجَاهِلِيَّةَ الْجَهْلَاءَ»، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ: هُوَ وَاللَّهِ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلَاءُ، وَلَكِنْ لَمَّا رَآكُمْ مَدَدْتُمْ أَعْنَاقَكُمْ وَفَتَحْتُمْ أَعْيُنَكُمْ قَالَ لَكُمْ كَذَلِكَ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَعَلَّ الْقَائِلَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ الْبَجَلِيُّ، خَرَجَ مَعَ زَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْإِمَامِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ سُلَيْمَانُ مَوْلَى طِرْبَالٍ.
الشاهد ١٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّعْمَانِيُّ [تنحو٣٦٠هـ] فِي «الْغَيْبَةِ»[١٧]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الشاهد ١٣
وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١٨]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: ابْتَدَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمًا، فَقَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: <مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ>»، فَقُلْتُ: قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «إِي وَاللَّهِ، قَدْ قَالَ»، قُلْتُ: فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
الشاهد ١٤
وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، فَقَالَ: «الْحَقُّ وَاللَّهِ».
الشاهد ١٥
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ [ت٢٧٤هـ] فِي «الْمَحَاسِنِ»[٢٠]، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ مَرْضِيًّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ السَّرِيِّ أَبِي الْيَسَعِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِذَا بَلَغَ نَفْسُهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ- يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ».
الشاهد ١٦
وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٢١]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»، قُلْتُ: مِيتَةُ كُفْرٍ؟ قَالَ: «مِيتَةُ ضَلَالٍ»، قُلْتُ: فَمَنْ مَاتَ الْيَوْمَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ».
الشاهد ١٧
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ [ت٢٧٤هـ] فِي «الْمَحَاسِنِ»[٢٢]، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، فَقَالَ: «نَعَمْ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ تَبِعُوا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَتَرَكُوا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ اهْتَدَوْا»، فَقُلْنَا: مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً مِيْتَةَ كُفْرٍ؟ فَقَالَ: «لَا، مِيتَةَ ضَلَالٍ».
الشاهد ١٨
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»[٢٣]، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، فَسَمَّاهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ابْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَالْأَمْرُ هَكَذَا يَكُونُ، وَالْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِإِمَامٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: <مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
الشاهد ١٩
وَرُوِيَ فِي كِتَابِ «الْإِخْتِصَاصِ»[٢٤] الْمَنْسُوبِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ [ت٤١٣هـ]، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، إِمَامٍ حَيٍّ يَعْرِفُهُ»، فَقُلْتُ: لَمْ أَسْمَعْ أَبَاكَ يَذْكُرُ هَذَا، يَعْنِي إِمَامًا حَيًّا، فَقَالَ: «قَدْ وَاللَّهِ قَالَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ: «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: <مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ يَسْمَعُ لَهُ وَيُطِيعُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامٍ مُفْتَرَضٍ مَعْرِفَتُهُ وَطَاعَتُهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الْمَهْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ لِقَوْلِهِ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِي، إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي»، وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ كُلُّ أَمِيرٍ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِقْهٍ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ، فَأَمَرَهُ بِطَاعَةِ يَزِيدَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ ابْنُ مُطِيعٍ: «وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ تِلْكَ بَيْعَةُ حَقٍّ، وَهَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَمَالَهُ نَفْلًا، فَحُقَّ لَهَا أَنْ لَا تَكُونَ لَهُمْ بَيْعَةٌ»[٢٥]، وَرُوِيَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْلًا، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: «إِحْدَى حَمَاقَاتِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ!» ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُ: «مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ: «ذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: <مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>، فَجِئْتُ أُبَايِعُكَ»، فَمَدَّ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ رِجْلَهُ، فَقَالَ: «خُذْ فَبَايِعْ، فَإِنَّ يَدِي مَشْغُولَةٌ»، أَرَادَ بِذَلِكَ الْغَضَّ مِنْهُ[٢٦]، وَلِشَنَاعَةِ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ]: «الْإِمَامُ الَّذِي يُجْمِعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: هَذَا إِمَامٌ»[٢٧]، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ [ت٣٥٤هـ]: «هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٢٨]، فَقَالَا بِرَأْيِهِمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ، يَأْخُذُونَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَيَتْرُكُونَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُهَا، وَإِذَا سَأَلْتَهُمْ عَمَّا تَرَكُوهُ إِذَا هُمْ يَتَأَوَّلُونَ؛ كَمَا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي»، فَيَقُولُونَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَوَدَّةَ وَلَمْ يُرِدِ الطَّاعَةَ، فَيَكْذِبُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُتَعَمِّدِينَ؛ كَمَثَلِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[٢٩]، وَقَدْ رَوَى أَبُو الْعَرَبِ التَّمِيمِيُّ [ت٣٣٣هـ] فِي «الْمِحَنِ» أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا دَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَةِ ابْنِهِ وَلِيدٍ كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَخِي الْخَاصِّ دُونَ النَّاسِ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ دُعُوا إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ أَخِيكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ النَّاسُ فِيهِ مِمَّا يَرْجُو فِيهِ الْإِسْتِقَامَةَ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَافْعَلْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: <مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ>»، فَبَعَثَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمَدِينَةِ بِالْكِتَابِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: «كَذَبَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا هُوَ بِأَخِي الْخَاصِّ دُونَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ الْيَوْمَ لَعَدُوِّي دُونَ الْبَشَرِ، أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي بَعَثَ الْحَجَّاجَ إِلَى الْبَيْتِ فَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمِنْجَنِيقَ، وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، وَلَمْ تَحِلَّ مَكَّةُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَانِي إِلَى أَنْ أُبَايِعَ ابْنَهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا هِرَقْلِيَّةً، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُبَايِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، وَالسُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ نَخْتَارَ أَرْضَى مَنْ نَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ نُبَايِعَ ابْنَكَ فَاخْلَعْهَا مِنْ عُنُقِكَ وَاعْتَزِلْ هَذَا الْأَمْرَ، فَإِنَّ هَهُنَا وَاللَّهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْكَ وَمِنِ ابْنِكَ»، فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَرَأَهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: «هَذَا يُفْسِدُ عَلَيَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالنَّاسَ»، فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا آخَرَ يَقُولُ فِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قُدْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَتَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَاتِبُهُ، وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَدْ بَايَعَ لِابْنِهِ، فَلَمَّا قَرَأَ سَعِيدٌ الْكِتَابَ قَالَ: «كَذَبَ وَاللَّهِ، مَا مُعَاوِيَةُ بِقُدْوَةٍ، وَكَفَى بِمُعَاوِيَةَ ابْنَهُ وَمَا أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ، قَتَلَ أَهْلَ الْحَرَّةِ وَأَبَاحَ الْمَدِينَةَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، لَا أُبَايِعُهُ وَاللَّهِ»، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى صَاحِبِ الْمَدِينَةِ أَنْ أَخْرِجْهُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَأَلْبِسْهُ ثِيَابًا مِنْ شَعَرٍ، وَاضْرِبْهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ[٣٠]، وَكَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، لَكِنَّهُ أَخْطَأَ كَمَا أَخْطَأَ النَّاسُ إِذْ قَالَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ نَخْتَارَ أَرْضَى مَنْ نَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ نَخْتَارَ مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، كَمَا كَانَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾[٣١]، وَيُقَالُ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَقُولُ بِقَوْلِنَا[٣٢]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.