الحديث ١٨
وجوب الجهاد مع الإمام (٢)
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْبَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ وَطَاوُوسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَطَاءٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ إِذَا اسْتَنْفَرَهُمُ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِمُ النَّفْرُ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[٢]، وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾[٣]، أَيْ كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْجِهَادِ دَائِمًا، فَإِذَا اسْتَنْفَرَكُمُ الْإِمَامُ فَانْفِرُوا فِرْقَةً فِرْقَةً أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا، وَقَالَ: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[٤]؛ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: «﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ أَيْ شَبَابًا وَكُهُولًا، مَا أَرَى اللَّهَ عَذَرَ أَحَدًا»[٥]، وَكَانَ الْمِقْدَادُ ابْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ يَقُولَانِ: «أَمَرَنَا أَنْ نَنْفِرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، وَيَتَأَوَّلَانِ: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾[٦]، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ كَانَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾، فَلَا أَجِدُنِي إِلَّا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا»[٧]، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ: «يَعْنِي مَشَاغِيلَ وَغَيْرَ مَشَاغِيلَ»[٨]، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الثَّقِيلُ الَّذِي لَهُ الضَّيْعَةُ، فَهُوَ ثَقِيلٌ يَكْرَهُ أَنْ يُضَيِّعَ ضَيْعَتَهُ وَيَخْرُجَ، وَالْخَفِيفُ الَّذِي لَا ضَيْعَةَ لَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾»[٩].
الشاهد ١
وَرَوَى مُجَاهِدٌ [ت١٠٤هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٠]، قَالَ: لَمَّا اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى تَبُوكَ، قَالُوا: فِينَا الثَّقِيلُ، وَذُو الْحَاجَةِ وَالضَّيْعَةِ، وَالْمُنْتَشِرُ أَمْرُهُ، وَالشُّغُلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾.
الشاهد ٢
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ [ت٢٤٩هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَجْدَةُ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، فَأُمْسِكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ، وَكَانَ عَذَابَهُمْ.
الشاهد ٣
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي حِينَ قُتِلَ أُمَرَاؤُهُ بِمُؤْتَةَ: «انْفِرُوا فَأَمِدُّوا إِخْوَانَكُمْ، وَلَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ»، فَنَفَرُوا مُشَاةً وَرُكْبَانًا، وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ.
الشاهد ٤
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [ت١٥١ه] فِي «سِيرَتِهِ»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ اسْتُشْهِدَ حَنَظَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَسَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟» فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى[١٤] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْ أَمْرِهِ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ كَانَ مُضَاجِعَهَا، فَلَمَّا اسْتُنْفِرَ لِلْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَنْ بَطْنِهَا مُبَادِرًا، وَلَمْ يَغْتَسِلْ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا دَأَبُ الْمُؤْمِنِينَ، كُلَّمَا سَمِعُوا الدَّعْوَةَ إِلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَارَعُوا إِلَيْهِ، وَلَمْ يَسْتَأْخِرُوا سَاعَةً، وَلَا يَسَعُ مَنْ سَمِعَ دَعْوَةَ الْإِمَامِ غَيْرُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَذَرَهُ اللَّهُ إِذْ قَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾[١٥]، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ مَنْ لَمْ يَعْذِرْهُ اللَّهُ؛ كَمَا قَالَ: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾[١٦]، وَقَالَ: ﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾[١٧]، وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[١٨]، وَذَلِكَ إِذَا نَفَرَ الْإِمَامُ، وَأَمَّا إِذَا بَعَثَ جَيْشًا فَمَنْ شَاءَ نَفَرَ وَمَنْ شَاءَ خَلَفَ، مَا لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ يَأْمُرْهُ الْإِمَامُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[١٩]؛ قَالَ قَتَادَةُ: «هَذَا إِذَا بَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ الْجُيُوشَ، أَمَرَهُمْ أَلَّا يُعْرُوا نَبِيَّهُ[٢٠]، وَتُقِيمُ طَائِفَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ»[٢١]، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ، إِلَّا أَهْلُ الْعُذْرِ، وَكَانَ إِذَا أَقَامَ فَأَسْرَتِ السَّرَايَا، لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَنْطَلِقُوا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْرَى فَنَزَلَ بَعْدَهُ قُرْآنٌ، تَلَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ الْقَاعِدِينَ مَعَهُ، فَإِذَا رَجَعَتِ السَّرِيَّةُ قَالَ لَهُمُ الَّذِينَ أَقَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ بَعْدَكُمْ عَلَى نَبِيِّهِ قُرْآنًا، فَيُقْرِئُونَهُمْ، وَيُفَقِّهُونَهُمْ فِي الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾، يَقُولُ: إِذَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْفِرُوا جَمِيعًا وَنَبِيُّ اللَّهِ قَاعِدٌ، وَلَكِنْ إِذَا قَعَدَ نَبِيُّ اللَّهِ تَسَرَّتِ السَّرَايَا، وَقَعَدَ مَعَهُ عَظْمُ النَّاسِ»[٢٢]، وَمَنْ نَفَرَ فَهُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[٢٣].
الشاهد ٥
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الْجِهَادِ»[٢٤]، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلًا رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، اسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، ثُمَّ طَلَبَ الْمَوْتَ مَظَانَّهُ، وَرَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ، يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ».