الحديث ١٣
لا ينبغي أن يُقتل الإمام وواحد من أصحابه حيّ
رَوَى الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي: «إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ، وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: خَبِّرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: «عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُنِي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِي الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ يَخْلُصْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ شُفْرٌ يَطْرِفُ»، قَالَ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّوِيلُ مَجْهُولٌ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ:
الشاهد ١
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [ت١٥١ه] فِي «سِيرَتِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيُّ أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: «أَنَا أَنْظُرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ»، فَنَظَرَ، فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى، وَبِهِ رَمَقٌ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ لَهُ فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ»، قَالَ: «فَأَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ يَخْلُصْ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ»، قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا فِي نُسَخِ «السِّيرَةِ»، وَقَالَ الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٣]: أَخْبَرَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوٍ مِنْهُ.
الشاهد ٢
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الْجِهَادِ»[٤]، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: «أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: فَخَرَجَ يَطُوفُ فِي الْقَتْلَى، حَتَّى وَجَدَ سَعْدًا جَرِيحًا قَدْ أَثْبَتَ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ لَهُ أَمِنَ الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟» قَالَ: «فَإِنِّي فِي الْأَمْوَاتِ، أَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدًا يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدًا يَقُولُ لَكُمُ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ خَلَصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ، وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ».
الشاهد ٣
وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [ت١٧٩هـ] فِي «الْمُوَطَّإِ»[٥]، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: «أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: «مَا شَأْنُكَ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: «بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ»، قَالَ: «فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، فَاقْرَأْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً، وَأَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي، وَأَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ».
الشاهد ٤
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ [ت٢٢٧هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٦]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَازِنٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ؟ فَإِنَّ آخِرَ عَهْدِي بِهِ أَنِّي رَأَيْتُهُ بِمَلَاذِ الْجَبَلِ، وَقَدْ شُرِعَتْ إِلَيْهِ الرِّمَاحُ»، فَقَامَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فَانْطَلَقَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «اقْرَأْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً، وَقَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي كُلُّهَا، وَاقْرَأْ عَلَى قَوْمِكَ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ».
الشاهد ٥
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[٧]، قَالَ: قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعٍ؟ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْوَادِي- وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ سِنَانًا»، قَالَ: فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ -وَيُقَالُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ- فَخَرَجَ نَحْوَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، قَالَ: وَأَنَا وَسَطَ الْقَتْلَى أَتَعَرَّفُهُمْ، إِذْ مَرَرْتُ بِهِ صَرِيعًا فِي الْوَادِي، فَنَادَيْتُهُ فَلَمْ يُجِبْ، ثُمَّ قُلْتُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ»، فَتَنَفَّسَ كَمَا يَتَنَفَّسُ الْكِيرُ[٨]، ثُمَّ قَالَ: «وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَحَيٌّ؟» قَالَ: قُلْتُ: «نَعَمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ شُرِعَ لَكَ اثْنَا عَشَرَ سِنَانًا»، قَالَ: «طُعِنْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً كُلُّهَا أَجَافَتْنِي[٩]، أَبْلِغْ قَوْمَكَ الْأَنْصَارَ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: اللَّهَ اللَّهَ، وَمَا عَاهَدْتُمْ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ! وَاللَّهِ مَا لَكُمْ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ خَلَصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ»، وَلَمْ أَمِرَّ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْقَ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ وَأَنْتَ عَنْهُ رَاضٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ [ت٤٦٣هـ] فِي «الْإِسْتِذْكَارِ»[١٠]: «هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُشْتَهِرٌ مُسْتَفِيضٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ عُلَمَائِهَا».
الشاهد ٦
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ [ت٤٦٣هـ] فِي «الْإِسْتِيعَابِ»[١١]: ذَكَرَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فِي هَذَا الْخَبَرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ الْأَسِنَّةَ قُدْ أُشْرِعَتْ إِلَيْهِ»، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: «أَنَا»، وَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ: «اقْرَأْ عَلَى قَوْمِي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمْ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: اللَّهَ اللَّهَ، وَمَا عَاهَدْتُمْ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، فَوَاللَّهِ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ إِنْ خَلَصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ»، وَقَالَ أُبَيٌّ: فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ، نَصَحَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَحِمَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، فَإِنَّهُ كَانَ ذَا حَظٍّ عَظِيمٍ، وَقَدْ أَرْشَدَ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتُلَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَيٌّ، وَلَمْ يَكُنْ فَرِيدًا فِي ذَلِكَ:
الشاهد ٧
فَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[١٢]، قَالَ: كَانَ عَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ، وَعَبَّاسٌ رَافِعٌ صَوْتَهُ يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ فِي نَبِيِّكُمْ! هَذَا الَّذِي أَصَابَكُمْ بِمَعْصِيَةِ نَبِيِّكُمْ، وَعَدَكُمُ النَّصْرَ فَمَا صَبَرْتُمْ»، ثُمَّ نَزَعَ مِغْفَرَهُ عَنْ رَأْسِهِ وَخَلَعَ دِرْعَهُ، فَقَالَ لِخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ: «هَلْ لَكَ فِي دِرْعِي وَمِغْفَرِي؟» قَالَ خَارِجَةُ: «لَا، أَنَا أُرِيدُ الَّذِي تُرِيدُ»، فَخَالَطُوا الْقَوْمَ جَمِيعًا، وَعَبَّاسٌ يَقُولُ: «مَا عُذْرُنَا عِنْدَ رَبِّنَا إِنْ أُصِيبَ رَسُولُ اللَّهِ وَمِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ؟!» يَقُولُ خَارِجَةُ: «لَا عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا وَلَا حُجَّةَ»، فَأَمَّا عَبَّاسٌ فَقَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ السُّلَمِيُّ، وَلَقَدْ ضَرَبَهُ عَبَّاسٌ ضَرْبَتَيْنِ، فَجَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَظِيمَيْنِ، فَارْتُثَّ يَوْمَئِذٍ جَرِيحًا[١٣]، فَمَكَثَ جَرِيحًا سَنَةً ثُمَّ اسْتُبِلَّ[١٤]، وَأَخَذَتْ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ الرِّمَاحُ، فَجُرِحَ بِضْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا، فَمَرَّ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَعَرَفَهُ فَقَالَ: «هَذَا مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ»، وَبِهِ رَمَقٌ، فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ.
الشاهد ٨
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[١٥]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالَا: شَهِدَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا وَجَدْتُ لِشَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ شَبِيهًا إِلَّا الْجَنَّةَ»، يَعْنِي مِمَّا يُقَاتِلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْمِي بِبَصَرِهِ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا رَأَى شَمَّاسًا فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ، حَتَّى غُشِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَّسَ بِنَفْسِهِ دُونَهُ حَتَّى قُتِلَ، فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ رَمَقٌ، فَأُدْخِلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «ابْنُ عَمِّي يُدْخَلُ عَلَى غَيْرِي؟!» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلُوهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ»، فَحُمِلَ إِلَيْهَا، فَمَاتَ عِنْدَهَا، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أُحُدٍ، فَيُدْفَنَ هُنَاكَ كَمَا هُوَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَقَدْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذُقْ شَيْئًا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، وَكَانَ يَوْمَ قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ ابْنَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
الشاهد ٩
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الْجِهَادِ»[١٦]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَحَمَهُ الْقِتَالُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ، وَخَلَصَ إِلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ ثَقُلَ، وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَئِذٍ، وَدَنَا مِنْهُ الْعَدُوُّ، فَذَبَّ عَنْهُ الْمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى قُتِلَ، وَأَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِ الْجِرَاحَةُ، وَأُصِيبَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَثُلِمَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ، وَأُصِيبَتْ وَجْنَتُهُ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: «مَنْ رَجُلٌ يَبِيعُ لَنَا نَفْسَهُ»، فَوَثَبَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ خَمْسَةٌ، فِيهِمْ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ، فَقُتِلُوا، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَ، ثُمَّ ثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلُوا عَنْهُ حَتَّى أَجْهَضُوا عَنْهُ الْعَدُوَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أُدْنُ مِنِّي»، وَقَدْ أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَوَسَّدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدَمَهُ، حَتَّى مَاتَ عَلَيْهَا.
الشاهد ١٠
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ [ت١٨٨هـ] فِي «السِّيَرِ»[١٧]، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ جُرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: «وَجْهِي أَحَقُّ بِالْكُلُومِ مِنْ وَجْهِكَ»[١٨]، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مِنْ جُشَمَ[١٩]! مَنْ يُرِيدُ الْمَوْتَ مَعِي؟»
الشاهد ١١
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ يَتَتَرَّسُ بِهِ، وَكَانَ رَامِيًا، وَكَانَ إِذَا رَمَى رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَخْصَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ، وَيَرْفَعُ أَبُو طَلْحَةَ صَدْرَهُ وَيَقُولُ: «هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا يُصِيبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «نَفْسِي لِنَفْسِكَ الْفِدَاءُ، وَوَجْهِي لِوَجْهِكَ الْوِقَاءُ»[٢١].
الشاهد ١٢
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الْجِهَادِ»[٢٢]، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: «أُصِيبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَجِيءُ حَتَّى يَجْثُوَ أَوْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: وَجْهِي لِوَجْهِكَ الْوِقَاءُ، وَنَفْسِي لِنَفْسِكَ الْفِدَاءُ، وَعَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا كَانَ أَنْصَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[٢٣]، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ فَدَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، إِذْ بَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلَةَ الْهِجْرَةِ لِيُعْمِيَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ[٢٤]، وَيُقَالُ[٢٥]: فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[٢٦].