الحديث ٥٥
«إِنَّ الْإِمَامَ يُسْئَلُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا»
رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ [ت٢٤٩هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ -يَعْنِي طَلْحَةَ بْنَ نَافِعٍ-، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، فَقَالُوا: لَا نُسَمِّيكَ بِاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَسْتَأْمِرَهُ، فَأَتَوْهُ، فَوَجَدُوهُ قَدْ سَقَطَ مِنْ فَرَسٍ عَلَى خَشَبَةٍ، وَقَدِ انْفَرَكَتْ قَدَمُهُ[٢]، فَوَجَدُوهُ فِي مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ، فَقَالَ: «جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ كَذَا وَكَذَا؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي»، قَالَ: «وَذَكَرْتُمُ السَّاعَةَ؟» قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مُحَاضِرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ»[٣]، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَدْ تَابَعَهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُسْئَلُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا مُتَلَفِّعًا بِعِطَافٍ[٤]، مُسْنَدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ أَثَرِ شَكَاةٍ كَانَتْ بِهِ، حَتَّى أَتَى مَقَامَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنْيَا، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا أَنْظُرُ إِلَى كَفِّي هَذِهِ، جِلِّيَانٌ[٥] مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ، كَمَا جَلَّى لِلنَّبِيِّينَ قَبْلَهُ، فَسَلُونِي -رَدَّدَهَا ثَلَاثًا- وَايْمُ اللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ»، فَقُضِيَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَجْتَرِئُ عَلَى مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرْثِيَةً لَهُ مِنْ شَكَاتِهِ وَهَيْبَةً لَهُ، فَطَفِقَ بَاسِطًا كَفَّيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَحَدٌ، قَالَ: «أَمَا إِذَا لَمْ تَسْأَلُونِي، فَلَا يَلْقَى اللَّهَ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَّا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، مَا لَمْ يَخْلِطْ مَعَهَا غَيْرَهَا»، رَدَّدَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يَخْلِطُ مَعَهَا غَيْرَهَا؟ قَالَ: «حُبَّ الدُّنْيَا، وَأَثْرَةً لَهَا، وَجَمْعًا لَهَا، وَرِضًى بِهَا، وَعَمَلَ الْجَبَّارِينَ»[٦].
الشاهد ١
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[٧]، قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: دَخَلَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: «يَا فَضْلُ، شُدَّ هَذِهِ الْعِصَابَةَ عَلَى رَأْسِي»، فَشَدَّهَا، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَرِنَا يَدَكَ»، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَهَضَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ عِرْضِهِ شَيْئًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَقْتَصَّ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا فَهَذَا بَشَرِي فَلْيَقْتَصَّ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوْلَاكُمْ بِي رَجُلٌ كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَخَذَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي، فَلَقِيتُ رَبِّي وَأَنَا مُحَلَّلٌ لِي، وَلَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ إِنِّي أَخَافُ الْعَدَاوَةَ وَالشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ طَبِيعَتِي، وَلَا مِنْ خُلُقِي، وَمَنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ عَلَى شَيْءٍ فَلْيَسْتَعِنْ بِي حَتَّى أَدْعُوَ لَهُ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَتَاكَ سَائِلٌ فَأَمَرْتَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمٍ، قَالَ: «صَدَقَ، أَعْطِهَا إِيَّاهُ يَا فَضْلُ»، قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَبَخِيلٌ، وَإِنِّي لَجَبَانٌ، وَإِنِّي لَنَئُومٌ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالنَّوْمَ، فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَتِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي لَكَذَا، وَإِنِّي لَكَذَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي ذَلِكَ، قَالَ: «اذْهَبِي إِلَى مَنْزِلِ عَائِشَةَ»، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَضَعَ عَصَاهُ عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ دَعَا لَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثَتْ تُكْثِرُ السُّجُودَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَطِيلِي السُّجُودَ، فَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ إِذَا كَانَ سَاجِدًا»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاللَّهِ مَا فَارَقَتْنِي حَتَّى عَرَفْتُ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيهَا.
الشاهد ٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[٨]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ! قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَا قَالَتْ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟! قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِيٌّ، إِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ لَهُ نَفْسًا بِخَيْرٍ! قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: «أَهْرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ[٩] لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ»، قَالَتْ: فَأَجْلَسَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمْ، وَخَطَبَهُمْ.
الشاهد ٣
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَدْخِلُوا عَلَيَّ أَصْحَابِي»، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَقَنِّعٌ بِبُرْدَةٍ مَعَافِرِيٍّ[١١]، فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».
الشاهد ٤
وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [ت١٧٩هـ] فِي «الْمُوَطَّإِ»[١٢]، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ قَدْ أَتَيَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَذَكَرْنَ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وَذَكَرْنَ مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أُولِئَكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولِئَكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ».
الشاهد ٥
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَوْعُوكٌ[١٤]، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: مَا أَشَدَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «إِنَّا كَذَلِكَ، يَشْتَدُّ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، وَقَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يَجُوبُهَا فَيَلْبَسُهَا، وَيُبْتَلَى بِالْقُمَّلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَلَأَحَدُهُمْ كَانَ أَشَدَّ فَرَحًا بِالْبَلَاءِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِالْعَطَاءِ».
الشاهد ٦
وَرَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ»، قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».
الشاهد ٧
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «لَا تَضِلُّوا بَعْدِي»[١٧]، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ! فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالْإِخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا»، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ!
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يَقُولُ: «يَوْمُ الْخَمِيسِ! وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ!»، ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَخَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصَا[١٨]، حَسْرَةً وَتَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَقَدْ فَاتَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ عَظِيمٌ لَمْ يَفُتْهُمْ قَطُّ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْإِتِّفَاقُ فِي الدِّينِ!