الحديث ١٤
وجوب ردّ ما اختُلف فيه إلى أولي الأمر، وهم الأئمّة من أهل البيت.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
تَلَا أَبُو جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[٢]، «فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعًا فِي الْأَمْرِ، فَأَرْجِعُوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ يَأْمُرُ بِطَاعَتِهِمْ وَيُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ؟! إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾».
الشاهد ١
وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾[٤]، قَالَ: «إِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعًا فِي أَمْرٍ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، كَذَا نَزَلَتْ، وَكَيْفَ يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَيُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ؟! إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَرَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ لَا يُرَدُّ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ، وَذَلِكَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ [ت١٠٤هـ][٥]، وَكَانَ مُعَاصِرًا لَهُ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ [ت٢٠٤هـ]، إِذْ قَالَ: «يَعْنِي إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ أَنْتُمْ وَأُمَرَاؤُكُمُ الَّذِينَ أُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِمْ، ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، وَهُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَ اللَّهُ وَالرَّسُولُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَنَازَعْتُمْ فِيهِ نَصٌّ مِنْهُمَا، فَرَدُّوهُ قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمَا»[٦]، فَزَعَمَ أَنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى النَّاسِ وَأُولِي الْأَمْرِ جَمِيعًا، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: «بَلْ يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعًا فِي أَمْرٍ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، كَذَا نَزَلَتْ»، أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتْ، «وَكَيْفَ يَأْمُرُ بِطَاعَتِهِمْ وَيُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ؟! إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾»، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأُولِي الْأُمْرِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِضَرُورَةِ حَسْمِ النِّزَاعِ، وَعَدَمِ حُصُولِهِ بِالْقِيَاسِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَفِي الْمُرَادِ بِأُولِي الْأَمْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمُ الْعُلَمَاءُ، قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، وَالثَّانِي أَنَّهُمُ الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ أَمَّرَهُمُ الرَّسُولُ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَمَالَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُمُ الْعُلَمَاءُ، وَهُمُ الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ أَمَّرَهُمُ الرَّسُولُ مِنْ بَعْدِهِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ حَيُّونَ [ت٣٦٣هـ] فِي «دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ»[٧]: «رُوِّينَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَعَلِيَّ بْنَ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ سَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، مَنْ أُولُو الْأَمْرِ؟ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ، فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ: مَا صَنَعْنَا شَيْئًا، أَلَا كُنَّا سَأَلْنَاهُ مَنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ؟ فَرَجَعَا إِلَيْهِ فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ: الْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «أُولُو الْأَمْرِ أَهْلُ طَاعَةِ اللَّهِ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَعَانِيَ دِينِهِمْ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُمْ عَلَى الْعِبَادِ»[٨]، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَانُوا هَكَذَا، وَفِي غَيْرِهِمْ خِلَافٌ، وَالْأَخْذُ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَخْذِ بِمَا هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ.
الشاهد ٢
وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٩]، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ؛ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[١٠]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ: «مَنْ وَضَعَ وُلَاةَ أَمْرِ اللَّهِ وَأَهْلَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِهِ فِي غَيْرِ الصَّفْوَةِ مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ، وَجَعَلَ الْجُهَّالَ وُلَاةَ أَمْرِ اللَّهِ وَالْمُتَكَلِّفِينَ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللَّهِ، فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَرَغِبُوا عَنْ وَصِيَّتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَضَعُوا فَضْلَ اللَّهِ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَتْبَاعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾[١١]، فَالْحُجَّةُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَهْلُ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
الشاهد ٣
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٢]، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ: «يَظُنُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ أَنَّهُمْ قَدْ أَثْبَتُوا جَمِيعَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ مِمَّا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَلَيْسَ كُلُّ عِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِمُوهُ، وَلَا صَارَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَرَفُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ يَرِدُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْئَلُونَ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ فِيهِ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَيَسْتَحْيُونَ أَنْ يَنْسِبَهُمُ النَّاسُ إِلَى الْجَهْلِ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُسْئَلُوا فَلَا يُجِيبُوا، فَيَطْلُبَ النَّاسُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلُوا الرَّأْيَ وَالْقِيَاسَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَرَكُوا الْآثَارَ، وَدَانُوا بِالْبِدَعِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: <كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ>، فَلَوْ أَنَّهُمْ إِذَا سُئِلُوا عَنْ شَيْءٍ مِنْ دِينِ اللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَّا الْعَدَاوَةُ وَالْحَسَدُ لَنَا».
الشاهد ٤
وَرَوَى الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٣]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ: «إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَنَحَ لَهُمْ شَيْطَانٌ، اغْتَرَّهُمْ بِالشُّبْهَةِ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَتْ فِرْيَتُهُمْ، وَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ، وَنَقَمُوا عَلَى عَالِمِهِمْ، وَأَرَادُوا الْهُدَى مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: لِمَ؟! وَمَنْ؟! وَكَيْفَ؟! فَأَتَاهُمُ الْهَلَاكُ مِنْ مَأْمَنِ احْتِيَاطِهِمْ، وَذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ، بَلْ كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ وَالْوَاجِبُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوُقُوفَ عِنْدَ التَّحَيُّرِ، وَرَدَّ مَا جَهِلُوهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى عَالِمِهِ وَمُسْتَنْبِطِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[١٤]، يَعْنِي آلَ مُحَمَّدٍ، وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَعْرِفُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَهُمُ الْحُجَّةُ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ».