الحديث ٦
سؤال ذي عدل، وهو الإمام.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ:
سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾[٢]، قَالَ: «الْعَدْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالْإِمَامُ مِنْ بَعْدِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مِمَّا أَخْطَأَتْ بِهِ الْكُتَّابُ».
الشاهد ١
وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: تَلَوْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، فَقَالَ: «﴿ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، هَذَا مِمَّا أَخْطَأَتْ فِيهِ الْكُتَّابُ».
الشاهد ٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٤]، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -يَعْنِي عَلِيًّا- عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الدِّيَاتِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جُرُوحٍ أَوْ تَنْكِيلٍ، فَيَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، يَعْنِي الْإِمَامَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ بِالتَّثْنِيَةِ، وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ بِالْإِفْرَادِ، ذَكَرَهَا ابْنُ جِنِّيٍّ [ت٣٩٢هـ] فِي «شَوَاذِّ الْقِرَاءَاتِ»[٥]، وَهِيَ أَوْفَقُ لِلْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ؛ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾[٦]، وَقَدْ أَرَادَ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْكُتَّابَ أَخْطَؤُوا، فَكَتَبُوا بَعْدَ ﴿ذُو﴾ أَلِفًا فَارِقَةً، فَشُبِّهَتْ عَلَى الْقُرَّاءِ، فَزَعَمُوا أَنَّهَا أَلِفُ التَّثْنِيَةِ، وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ؛ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ عُرِضَتْ عَلَى عُثْمَانَ، فَوَجَدَ فِيهَا حُرُوفًا مِنَ اللَّحْنِ، فَقَالَ: «لَا تُغَيِّرُوهَا، فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتُقِيمُهَا بِأَلْسِنَتِهَا»[٧]، وَقَالَ: «لَوْ كَانَ الْكَاتِبُ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْمُمْلِي مِنْ هُذَيْلٍ، لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ»[٨]، وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾[٩]، وَقَوْلِهِ: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾[١٠]، وَقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾[١١]، فَقَالَتْ: «هَذَا عَمَلُ الْكُتَّابِ، أَخْطَؤُوا فِي الْكِتَابِ»[١٢]، وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَكَانَ مِمَّنْ حَضَرَ كِتَابَ الْمُصْحَفِ: كَيْفَ كَتَبْتُمْ: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾؟! قَالَ: «إِنَّ الْكَاتِبَ لَمَّا كَتَبَ، قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ فَقِيلَ لَهُ: اكْتُبْ: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾، فَكَتَبَ مَا قِيلَ لَهُ»[١٣]، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا قَوْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً فِي الْكِتَابِ لَمْ يَقْرَأْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَقَدْ قَرَؤُوهُ، وَهَذَا وَجِيهٌ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قِرَاءَتِهِ، وَلَيْسَ بِوَجِيهٍ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَتِهِ؛ فَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَأَ مِنْ بِعْضٍ وَأَحْفَظَ، وَلَوْ رَجَعُوا إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهِمْ لَبَيَّنَ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَمَعْنَاهُ، وَلَكِنْ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ، فَكَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ.