الحديث ٥
إنّ الأمّة لا تخلو من منصور.
رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ [ت٢٣٠هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي -يَعْنِي قُرَّةَ بْنَ إِيَاسٍ الْمُزَنِيَّ- يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«لَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
الشاهد ١
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ» زِيَادَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ الْجَعْدِ، وَكَذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ[٣] وَابْنُ مَاجَهْ[٤]، وَهِيَ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ فَقَدْ فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ لِوُجُودِ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ فِيهِمَا، بَلْ هِيَ مُنَاقِضَةٌ لِلْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ فِي الْأُمَّةِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ هُوَ بَقَاءُ الْخَيْرِ فِيهِمْ وَلَوْ فَسَدَ أَهْلُ الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ زَادَهَا فِي الْحَدِيثِ، فَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ: «هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قُرَّةُ بْنُ إِيَاسَ»[٥]، وَهُوَ رَجُلٌ عَدَّهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ، لِقَوْلِهِ «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ»[٦]، وَقَوْلِهِ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَبَايَعْنَاهُ، ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، فَمَسَسْتُ الْخَاتَمَ»[٧]، وَلَكِنْ قَالَ شُعْبَةُ: «قُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ: أَكَانَ أَبُوكَ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ قَدْ حَلَبَ وَصَرَّ»[٨]، أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا صَغِيرًا يَخْدِمُ أَهْلَهُ، فَلَعَلَّهُ غَلَطَ فِي الْحَدِيثِ لِصِغَرِ سِنِّهِ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: «كَانَ أَبِي يُحَدِّثُنَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَدْرِي أَكَانَ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ حُدِّثَ عَنْهُ»، وَهَذَا يُضَعِّفُ حَدِيثَهُ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ حَدِيثَهُ فِي الْمَرَاسِيلَ[٩]، وَأَمَّا أَنَا فَأُخْرِجُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، مُرَاعَاةً لِلرِّوَايَتَيْنِ.
الشاهد ٢
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ [ت٥٧١هـ] فِي «تَارِيخِ دِمَشْقَ»[١٠]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَلَّالُ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ فَرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِي أُمَّتِي، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يُبَالُونَ خِلَافَ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ خِذْلَانَ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ فَرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ فَرْوَةَ تَصْحِيفٌ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، وَلَوْ لَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ قَدْ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَجَزَمْتُ بِأَنَّهُ وَهْمٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ قُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ، وَيُقَالُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ لَمْ يَلْحَقِ ابْنَ عُمَرَ[١١]، وَلَكِنِّي عَثَرْتُ لَهُ عَلَى ثَمَانِيَ رِوَايَاتٍ عَنْهُ: [١] مِنْهَا مَا أَسْنَدَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا وَظِيفَةُ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِ»[١٢]، [٢] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يَؤُمَّهُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِهِ»[١٣]، [٣] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ الدُّولَابِيُّ [ت٣١٠هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: تَطَاوَعَا وَيَسِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا»[١٤]، [٤] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًَا عَلَى عَمَلٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خِرْ لِي، قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ»[١٥]، [٥] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ أَبُو نُعَيْمٍ [ت٤٣٠هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَتَى عَلَى الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ»[١٦]، [٦] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ ابْنُ خَيْرٍ الْإِشْبِيلِيُّ [ت٥٧٥هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، هُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْكَ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، هُوَ النَّافِعُ لَكَ»[١٧]، [٧] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ ابْنُ حَزْمٍ [ت٤٥٦هـ] عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ، أَيَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: إِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا»[١٨]، [٨] وَمِنْهَا مَا أَسْنَدَ بَكْرُ بْنُ الْعَلَاءِ [ت٣٤٤هـ] عَنْهُ، قَالَ: «قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ إِذَا صَلَّى لَمْ يَقُلْ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا، قَالَ: لَكِنَّا نَقُولُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَنَكُونُ مِثْلَ النَّاسِ»[١٩]، وَمِنَ الْبَعِيدِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُرْسَلَةً، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالتَّدْلِيسِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ؛ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ، قَالَ: «سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ»، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ [ت٤٥٨هـ] فِي «السُّنَنِ الصُّغْرَى» عَنْهُ، قَالَ: «حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً»[٢٠]، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: «حَدَّثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ»، فَلَا أَدْرِي مَاذَا يُنْكِرُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ يَرْوُونَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٢١]، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٢٢]، وَمَا أَحْرَى أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُمْ، فَقَدْ عَاشَ مَعَهُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ عَامًا أَوْ أَكْثَرَ، بَلْ رُوِيَ عَنِ ابْنِهِ إِيَاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ؛ كَمَا فِي رِوَايَةِ حَسَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، فَقَالَ: جَهْدُ الْبَلَاءِ كَثْرَةُ الْعِيَالِ مَعَ قِلَّةِ الشَّيْءِ»[٢٣]، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَشْبُوهَةٌ عِنْدِي؛ فَقَدْ رَوَاهَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا [ت٢٨١هـ] فِي «النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ» بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا[٢٤]، وَرَوَاهَا السُّهْرَوَرْدِيُّ [ت٦٣٢هـ] فِي «مَشْيَخَتِهِ» بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: «سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ، وَقِلَّةِ الشَّيْءِ»[٢٥]، فَإِنْ صَحَّتْ رِوَايَتُهُمَا فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُرِدْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ رِوَايَتُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مُصَحَّفَةً، وَلَكِنْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ [ت٨٥٢هـ] ذَكَرَ فِي «الْغَرَائِبِ الْمُلْتَقَطَةِ مِنْ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ»، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، فَقَالَ: جَهْدُ الْبَلَاءِ كَثْرَةُ الْعِيَالِ مَعَ قِلَّةِ الشَّيْءِ»[٢٦]، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِيَاسًا لَمْ يَسْمَعِ ابْنَ عُمَرَ، وَإِنَّمَا رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةِ أَبِيهِ، وَقَدْ سَقَطَ اسْمُ أَبِيهِ مِنْ سَنَدِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُ الْجَزْمَ بِذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنِ الطَّبَرِيِّ [ت٣١٠هـ] أَنَّهُ قَالَ فِي «الْمُذَيَّلِ»: «رَوَى إِيَاسٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ يَمْشِي مَعَ أَبِيهِ فِي السُّوقِ كَلِمَةً، وَهِيَ: <جَهْدُ الْبَلَاءِ كَثْرَةُ الْعِيَالِ مَعَ قِلَّةِ الشَّيْءِ>»[٢٧]، وَلَمْ أَجِدْهُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُذَيَّلِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ لَحِقَ ابْنَ عُمَرَ.