الحديث ٥٢
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ السُّؤَالَ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ اللَّهُ»
رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي فِي حَائِطٍ مَضَبَّةٍ، وَإِنَّهُ عَامَّةُ طَعَامِ أَهْلِي، فَسَكَتَ عَنْهُ، فَقُلْنَا: عَاوِدْهُ، فَعَاوَدَهُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْنَا: عَاوِدْهُ، فَعَاوَدَهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَى سِبْطَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّونَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَعْضُهَا، وَلَسْتُ بِنَاهِيكَ، وَلَا آمُرُكَ بِهَا»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «لَسْتُ آكِلَهَا، وَلَا أُحَرِّمُهَا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو نَضْرَةَ، وَبِشْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الشُّيُوخِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ، وَثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ، وَثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ، وَأَبِي مَرْيَمَ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ.
الشاهد ١
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ خُطْبَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي الضِّبَابِ؟ فَقَالَ: «مُسِخَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي أَيِّ الدَّوَابِّ مُسِخَتْ».
الشاهد ٢
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا تَرَى فِي هَذَا الضَّبِّ؟ فَقَالَ: «لَا آكُلُهُ، وَلَا أُحَرِّمُهُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَعْرَابِيِّ حَتَّى سَأَلَهُ ثَلَاثًا فَقَدْ كَانَ لِلتَّأَمُّلِ قَبْلَ الْجَوَابِ، أَوِ انْتِظَارًا لِلْوَحْيِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ كَانَ لِكَرَاهِيَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ السُّؤَالَ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ اللَّهُ.
الشاهد ٣
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ»[٤]، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِي مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنِ السَّائِلُ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ -وَنَقَّرَ بِأُصْبُعَيْهِ-: «مَا أَنْكَرَ قَلْبُكَ فَدَعْهُ».