الحديث ٤
تجديد البيعة للإمام
رَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ:
بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ: «يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ، أَلَا تُبَايِعُ؟» قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَأَيْضًا»، فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ.
الشاهد ١
وَرَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ؛ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ؛ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ -وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ-، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ، فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ: «بَايِعْ يَا سَلَمَةُ»، قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، قَالَ: «وَأَيْضًا»، قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَزِلًا -يَعْنِي: لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ-، قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً[٣]، ثُمَّ بَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟» قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ، قَالَ: «وَأَيْضًا»، فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا سَلَمَةُ، أَيْنَ حَجَفَتُكَ، أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي!»
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْبَيْعَةُ عَلَى الْبَيْعَةِ نُورٌ عَلَى نُورٍ، وَهِيَ تَغْلِيظٌ لَهَا لِتَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ النَّكْثِ، وَقَدْ يَعْرِضُهَا الْإِمَامُ عَلَى مَنْ يَخَافُهُ مِنْهُ، أَوْ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَهُ شَرْطًا:
الشاهد ٢
كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ [ت٢٧٥هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الْأَمِينُ، أَمَّا هُوَ إِلَيَّ فَحَبِيبٌ، وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي فَأَمِينٌ، عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةً، أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ تِسْعَةً، فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟» وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، قُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا»، وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً، قَالَ: «وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا»، قَالَ: فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ.
الشاهد ٣
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: جَلَسَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: «مَنْ يُبَايِعُنِي؟»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا ثَوْبَانُ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَدْ بَايَعْنَاكَ مَرَّةً، وَأَنَا أُبَايِعُكَ الثَّانِيَةَ، فَعَلَامَ أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ لَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا، وَلَكُمُ الْجَنَّةَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَنَا بَايَعْتُكَ، وَلَمْ أَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا فَلِيَ الْجَنَّةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَسْأَلُ شَيْئًا مَا بَقِيتُ فِي الدُّنْيَا، فَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ يَسْقُطُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِيهِ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذَهُ[٦]، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: «تَعَاهَدُوا ثَوْبَانَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا»[٧].