الحديث ٥٣
«كَرَاهِيَةُ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَرِدْ بَيَانُهُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ عَلَى الْأَمْرِ الْبَيِّنِ، وَيُثِيبُ عَلَى الْأَمْرِ الْبَيِّنِ»
رَوَى ابْنُ الْمُقْرِئِ [ت٣٨١هـ] فِي «مُعْجَمِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ -وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ- فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُقَالُ أَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَقَالَ الْعَلَائِيُّ [ت٧٦١هـ]: «هُوَ مُعَاصِرٌ لَهُ بِالسِّنِّ وَالْبَلَدِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَقِيَهُ»[٢]، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِشَوَاهِدِهِ:
الشاهد ١
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ [ت٤١٣هـ] فِي «أَمَالِيهِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْجِعَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَدَّ لَكُمْ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَسَنَّ لَكُمْ سُنَنًا فَاتَّبِعُوهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ حُرُمَاتٍ فَلَا تَهْتِكُوهَا، وَعَفَا لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً مِنْهُ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا».
الشاهد ٢
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَشَّاءُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَّدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَكَلَّفُوهَا، رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ فَاقْبَلُوهَا».
الشاهد ٣
وَرَوَى الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٥]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَفَعَ الْحَدِيثَ، قَالَ: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾[٦].
الشاهد ٤
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ [ت٤٥٨هـ] فِي «السُّنَنِ الْكُبْرَى»[٧]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ -أُرَاهُ رَفَعَهُ-، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَلَّ حَلَالًا، وَحَرَّمَ حَرَامًا، فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ».
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ]، وَالتِّرْمِذِيُّ [ت٢٧٩هـ] فِي «سُنَنِهِمَا»[٨]، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّمْنِ، وَالْجُبْنِ، وَالْفِرَاءِ[٩]، فَقَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ».
الشاهد ٦
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ [ت٣٦٥هـ] فِي «الْكَامِلِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْجَبَلِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ مُوَرِّعِ بْنِ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجُبْنِ، وَالسَّمْنِ، وَالْفِرَاءِ، فَقَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ».
الشاهد ٧
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ [ت٣٢١هـ] فِي «شَرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَرْعَرَةُ بْنُ الْبِرِنْدِ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ جَصَّاصٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَعَارِيبُ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ مُشَرَّحَةٍ، وَالْجُبْنِ، وَالسَّمْنِ، وَالْفِرَاءِ، مَا نَدْرِي مَا كُنْهُ إِسْلَامِهِمْ، قَالَ: «انْظُرُوا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَأَمْسِكُوا عَنْهُ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَإِنَّهُ عَفَا لَكُمْ عَنْهُ، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَرِدْ بَيَانُهُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ عَلَى الْأَمْرِ الْبَيِّنِ، وَيُثِيبُ عَلَى الْأَمْرِ الْبَيِّنِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[١٢].