الحديث ٢٠
من بركات سؤال الإمام
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ»[١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَيَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى أَعْرَابِيٌّ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَنَهَضَ فَصَلَّى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ يَعْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَبِيرِ صَلَاةٍ، وَلَا صِيَامٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهُمْ بِهِ.
الشاهد ١
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى [ت٣٠٧هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا هُمْ أَجْدَرَ أَنْ يَسْأَلُوهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ فَرَحًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ.
الشاهد ٢
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ [ت٢٤٩هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَجَذَبَهُ النَّاسُ فَأَقْعَدُوهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَسَأَلَهُ، فَجَذَبَهُ النَّاسُ فَأَقْعَدُوهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَيْحَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اقْعُدْ، فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَنَا بِقَوْلِهِ: «اقْعُدْ، فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».
الشاهد ٣
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ [ت١٨٠هـ] فِي «حَدِيثِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ أَنِ اسْكُتْ، قَالَ: فَسَأَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: «وَيْحَكَ، مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ مَرَّ غُلَامٌ يَمْشِي، قَالَ أَنَسٌ: أَقُولُ أَنَا: هُوَ مِنْ أَقْرَانِي قَدِ احْتَلَمَ أَوْ نَاهَزَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا هُوَ هَذَا، فَقَالَ: «إِنْ أَكْمَلَ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ أَوْ أَدْرَكَ عُمُرَهُ، فَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَرَى أَشْرَاطَهَا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ حُمَيْدٌ، وَقَتَادَةُ، وَثَابِتٌ، وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَقَيْسُ بْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، وَكَثِيرُ بْنُ خُنَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ الْوَهْبِيِّ، وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ قَوْقَلٍ، وَصَفْوَانَ بْنِ قُدَامَةَ، وَعُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ: «وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ؟! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[٥]، وَقَالَ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[٦]، وَقَالَ: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾[٧]، إِنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الْمُصَلِّينَ وَلَا أُصَلِّي، وَأُحِبُّ الصَّوَّامِينَ وَلَا أَصُومُ -يَعْنِي التَّطَوُّعَ دُونَ الْفَرِيضَةِ-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»[٨]. قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا أَحَبَّ أَحَدًا طَلَبَ رِضَاهُ وَاجْتَنَبَ مَا يُسْخِطُهُ، وَلِذَلِكَ لَا يَشْقَى مَنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَخَلِيفَتَهُ.