الحديث ١٤
وجوب حراسة الإمام
رَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ؛ وَرَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ؛ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَرِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ[٣]، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ»، قَالَتْ: وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: «سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ[٤].
الشاهد ١
وَرَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٥]، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ»، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: «سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ»، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ: «وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ»، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَامَ.
الشاهد ٢
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ، فَلَمْ أُفَارِقْهُ مَقَامَهُ كُلَّهُ، وَكَانَ يَحْرُسُ بِنَفْسِهِ فِي الْخَنْدَقِ، وَكُنَّا فِي قَرٍّ شَدِيدٍ[٧]، فَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ قَامَ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي قُبَّتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ سَاعَةً، فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: «هَذِهِ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ تُطِيفُ بِالْخَنْدَقِ، مَنْ لَهُمْ؟!» ثُمَّ نَادَى: «يَا عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ»، فَقَالَ عَبَّادٌ: «لَبَّيْكَ»، قَالَ: «أَمَعَكَ أَحَدٌ؟» قَالَ: «نَعَمْ، أَنَا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِي كُنَّا حَوْلَ قُبَّتِكَ»، قَالَ: «فَانْطَلِقْ فِي أَصْحَابِكَ فَأَطِفْ بِالْخَنْدَقِ، فَهَذِهِ خَيْلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ تُطِيفُ بِكُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْكُمْ غِرَّةً، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا شَرَّهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ، وَاغْلِبْهُمْ، لَا يَغْلِبُهُمْ غَيْرُكَ»، فَخَرَجَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فِي أَصْحَابِهِ، فَإِذَا بِأَبِي سُفْيَانَ فِي خَيْلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُطِيفُونَ بِمَضِيقِ الْخَنْدَقِ، وَقَدْ نَذِرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ[٨]، فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ، قَالَ عَبَّادٌ: فَوَقَفْنَا مَعَهُمْ، فَرَمَيْنَاهُمْ حَتَّى أَذْلَقْنَاهُمْ بِالرَّمْيِ، فَانْكَشَفُوا رَاجِعِينَ إِلَى مَنْزِلِهِمْ، وَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَجِدُهُ يُصَلِّي، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، فَمَا تَحَرَّكَ حَتَّى سَمِعْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ وَبَيَاضِ الْفَجْرِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِقُبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَحْرُسُهَا أَبَدًا.
الشاهد ٣
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا حَوْلَ قُبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَحْرُسُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ نَسْمَعُ غَطِيطَهُ، إِذْ وَافَتْ أَفْرَاسٌ عَلَى سَلْعٍ[١٠]، فَبَصُرَ بِهِمْ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَأَخْبَرَنَا بِهِمْ، قَالَ: فَأَمْضَى إِلَى الْخَيْلِ، وَقَامَ عَبَّادٌ عَلَى بَابِ قُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ آخِذًا بِقَائِمِ السَّيْفِ يَنْظُرُنِي، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: «خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ أَشْرَفَتْ، عَلَيْهَا سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ»، فَرَجَعْتُ إِلَى مَوْضِعِنَا، ثُمَّ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: كَانَ لَيْلُنَا بِالْخَنْدَقِ نَهَارًا حَتَّى فَرَّجَهُ اللَّهُ.
الشاهد ٤
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[١١]، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَرَسِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا، يَطُوفُونَ بِالْعَسْكَرِ حَتَّى أَدْلَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ[١٢]، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَدْلَجَ، وَنَزَلَ بِالشَّيْخَيْنِ[١٣]، فَجَمَعُوا خَيْلَهُمْ وَظَهْرَهُمْ، وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى حَرَسِهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي خَيْلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَبَاتَتْ صَاهِلَةُ خَيْلِهِمْ لَا تَهْدَأُ، وَتَدْنُو طَلَائِعُهُمْ حَتَّى تَلْصَقَ بِالْحَرَّةِ[١٤]، فَلَا تَصْعَدُ فِيهَا حَتَّى تَرْجِعَ خَيْلُهُمْ، وَيَهَابُونَ مَوْضِعَ الْحَرَّةِ وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ صَلَّى الْعِشَاءَ: «مَنْ يَحْفَظُنَا اللَّيْلَةَ؟» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: «أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: «ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ»، قَالَ: «اجْلِسْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: «أَنَا»، فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: «أَنَا أَبُو سَبُعٍ»، قَالَ: «اجْلِسْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: «أَنَا»، فَقَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: «ابْنُ عَبْدِ قَيْسٍ»، قَالَ: «اجْلِسْ»، وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا ثَلَاثَتَكُمْ»، فَقَامَ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ صَاحِبَاكَ؟» فَقَالَ ذَكْوَانُ: «أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَجَبْتُكَ اللَّيْلَةَ»، قَالَ: «فَاذْهَبْ، حَفِظَكَ اللَّهُ»، قَالَ: فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ دَرَقَتَهُ[١٥]، وَكَانَ يَطُوفُ بِالْعَسْكَرِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَيُقَالُ كَانَ يَحْرُسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَارِقْهُ.
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ قَانِعٍ [ت٣٥١هـ] فِي «مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ»[١٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحٍ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا شَبَابٌ، حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَشْرَجٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَحْرُسَ فِي عَسْكَرِهِ.
الشاهد ٦
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ الْأَدْرَعِ، قَالَ: كُنْتُ أَحْرُسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَرَآنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْنَا، فَمَرَرْنَا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «عَسَى أَنْ يَكُونَ مُرَائِيًا»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُصَلِّي يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ، قَالَ: فَرَفَضَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الْأَمْرَ بِالْمُغَالَبَةِ»، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا أَحْرُسُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَرَرْنَا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي بِالْقُرْآنِ، قَالَ: فَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يَكُونَ مُرَائِيًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنَّهُ أَوَّابٌ»، قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ.
الشاهد ٧
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[١٨]، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ عُمَارَةَ تَقُولُ: «إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مُتَرَبِّعًا، وَإِنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَسَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ مُقَنَّعَانِ بِالْحَدِيدِ قَائِمَانِ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ».
الشاهد ٨
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١٩]، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، صَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَا أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ قَائِمًا عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ.
الشاهد ٩
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[٢٠]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ الْبُرْجُمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِصْمَةُ بْنُ بَشِيرٍ الْبُرْجُمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفَزَعُ، قَالَ سَيْفٌ: أَظُنُّهُ قَدْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ، عَنِ الْمُنَقِّعِ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَمَعَهُ أَسْوَدُ قَدْ حَاذَى رَأْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَطْوَلَ مِنْهُ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ كَأَنَّهُ أَهْوَى إِلَيَّ، فَكَفَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي كَذَا وَكَذَا، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلْى بَيَاضِ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَا أُحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَكْذِبُوا عَلَيَّ، اللَّهُمَّ لَا أُحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَكْذِبُوا عَلَيَّ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْحَرْسِ وَيَتَّخِذُ حُرَّاسًا، فَوَجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَحْرُسُوا الْإِمَامَ، وَلَا يَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ مَادَامُوا مَعَهُ، فَإِذَا فَارَقُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى حِفْظِهِ بِمَا يَشَاءُ قَدِيرٌ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ انْتَبَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ، وَالسَّمَاءُ تَمْطُرُ، فَجَاءَ السَّيْلُ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَبَصُرَ بِهِ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: «هَذَا مُحَمَّدٌ، قَدِ انْفَرَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِنِ اسْتَغَاثَ بِهِمْ لَمْ يُغِيثُوهُ حَتَّى تَقْتُلَهُ»! فَاخْتَارَ الرَّجُلُ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِهِمْ صَارِمًا، وَقَالَ: «قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ»، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ مَشْهُورًا، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ»، فَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ، وَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: «لَا أَحَدَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالُوا: «أَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ؟! وَقَدْ أَمْكَنَكَ وَالسَّيْفُ فِي يَدِكَ»! قَالَ: «وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ، دَفَعَ فِي صَدْرِي، فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»[٢١]، فَحَفِظَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمَلَكٍ عِنْدَمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَلَوْ كَانُوا مَعَهُ لَحَفِظَهُ بِبَعْضِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَائِفًا عَلَى إِمَامِهِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
الشاهد ١٠
وَرَوَى الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٢٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ، قَالَ: فِينَا يَوْمَ بَدْرٍ نَزَلَتْ، كَانَ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ مَنَازِلٍ: ثُلُثٌ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ، وَثُلُثٌ يَجْمَعُ الْمَتَاعَ وَيَأْخُذُ الْأُسَارَى، وَثُلُثٌ عِنْدَ الْخَيْمَةِ يَحْرُسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جُمِعَ الْمَتَاعُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ الَّذِينَ جَمَعُوهُ وَأَخْذُوهُ: «قَدْ نَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنَّا مَا أَصَابَ، فَهُوَ لَنَا دُونَكُمْ»، وَقَالَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَطْلُبُونَهُ: «وَاللَّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ، فَنَحْنُ شَغَلْنَا الْقَوْمَ»، وَقَالَ الْحَرَسُ: «وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنَّا، لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ الْعَدُوَّ حِينَ مَنَحَنَا اللَّهُ أَكْتَافَهُمْ، وَأَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَمْنَعُ دُونَهُ، وَلَكِنَّا خِفْنَا غِرَّةَ الْعَدُوِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْنَا دُونَهُ»، قَالَ: فَانْتَزَعَهَا اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمَئِذٍ خُمُسٌ، فَكَانَ فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَإِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ.