الجمعة ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٦ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
درس
 
دروس من جنابه في سؤال العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره، وطلب العلم عنده بالدّين
ما صحّ عن النّبيّ في ذلك

الحديث ٤٥

«يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْأَلَ عَنِ الْغَيْبِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ ذَلِكَ»

رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

«لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ[٢]، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ».

الشاهد ١

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ».

الشاهد ٢

وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَرَوْحٌ الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ»، فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ»، قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟! قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ، تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ! فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاؤُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ»، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟! قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ! ثُمَّ قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ»، قَالَ: «فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ، حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ، فَنَعَتُّهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ»، قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ.

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ بَيِّنَةٌ عَلَى صِدْقِهِ لَمْ يَضُرَّهُ جَهْلُهُ بِالْغَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَاهِنٍ حَتَّى يَتَسَبَّبَ إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ كُلَّمَا شَاءَ، بَلْ هُوَ رَجُلٌ يَتْلُو مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْأَلَ عَنِ الْغَيْبِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَتَّى يُطْلِعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُطْلِعُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَّا فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِوَقْتِهَا، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ:

الشاهد ٣

رَوَى يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ [ت٢٠٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٥]، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَجُلَيْنِ حَدَّثَا أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُمَا، قَالَ: كَانَ يَوْمِي الَّذِي كُنْتُ أَخْدُمُ فِيهِ النَّبِيَّ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَهُمْ مَصَاحِفُ أَوْ كُتُبٌ، فَقَالُوا: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ، فَقَالَ: «مَا لِي وَلَهُمْ؟! يَسْأَلُونَنِي عَمَّا لَا أَدْرِي، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَبْلِغْنِي وَضُوءًا»، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي بَيْتِهِ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى بَدَا لِي السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَدْخِلْهُمْ، وَمَنْ وَجَدْتَ بِالْبَابِ مِنْ أَصْحَابِي»، فَأَدْخَلْتُهُمْ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْأَلُونِي عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُمْ وَأَخْبَرْتُكُمْ»، قَالُوا: بَلْ أَخْبِرْنَا بِمَا جِئْنَا لَهُ قَبْلَ أَنْ نَتَكَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِسُؤَالِهِمْ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ عَنْ ذَلِكَ.

الشاهد ٤

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «الْمَغَازِي»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ رُومَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَا: فُقِدَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْقَصْوَاءُ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَطْلُبُونَهَا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ -وَكَانَ مُنَافِقًا-: أَيْنَ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ فِي كُلِّ وَجْهٍ؟ قَالُوا: يَطْلُبُونَ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ، قَدْ ضَلَّتْ، قَالَ: أَفَلَا يُخْبِرُهُ اللَّهُ بِمَكَانِ نَاقَتِهِ؟! فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، نَافَقْتَ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، لَوْلَا أَنِّي لَا أَدْرِي مَا يُوَافِقُ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَأَنْفَذْتُ خُصْيَتَكَ بِالرُّمْحِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ![٧] فَلِمَ خَرَجْتَ مَعَنَا، وَهَذَا فِي نَفْسِكَ؟! قَالَ: خَرَجْتُ لِأَطْلُبَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، وَلَعَمْرِي إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُخْبِرُنَا بِأَعْظَمَ مِنْ شَأْنِ النَّاقَةِ، يُخْبِرُنَا عَنْ أَمْرِ السَّمَاءِ! ثُمَّ وَثَبَ هَارِبًا مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ أَنْ يَقَعُوا بِهِ، وَنَبَذُوا مَتَاعَهُ، فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ مَعَهُ فِرَارًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَعَوِّذًا بِهِ، وَقَدْ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَبَرُ مَا قَالَ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالْمُنَافِقُ يَسْمَعُ: «إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَالَ: أَلَا يُخْبِرُهُ اللَّهُ بِمَكَانِهَا؟! فَلَعَمْرِي إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُخْبِرُنَا بِأَعْظَمَ مِنْ شَأْنِ النَّاقَةِ! وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَنِي بِمَكَانِهَا، وَإِنَّهَا فِي هَذَا الشِّعْبِ مُقَابِلَكُمْ، قَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ، فَاعْمِدُوا عَمْدَهَا»، فَذَهَبُوا، فَأَتَوْا بِهَا مِنْ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ الْمُنَافِقُ إِلَيْهَا قَامَ سَرِيعًا إِلَى رُفَقَائِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَإِذَا رَحْلُهُ مَنْبُوذٌ، وَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ، لَمْ يَقُمْ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالُوا لَهُ حِينَ دَنَا: لَا تَدْنُ مِنَّا! قَالَ: أُكَلِّمُكُمْ! فَدَنَا فَقَالَ: أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُحَمَّدًا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قُلْتُ؟ قَالُوا: لَا وَاللَّهِ، وَلَا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ عِنْدَ الْقَوْمِ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ، وَتَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِنَاقَتِهِ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ فِي شَكٍّ مِنْ شَأْنِ مُحَمَّدٍ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَكَأَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلَّا الْيَوْمَ!

الشاهد ٥

وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ [ت٢١٣هـ] فِي «سِيرَتِهِ»[٨]، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالُوا: قَالَ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، وَعُمَارَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ: «إِنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السَّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ! وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ، وَقَدْ دَلَّنِيَ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَانْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بِهَا»، فَذَهَبُوا، فَجَاؤُوا بِهَا، وَفِي رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ [ت٤٢٧هـ]: قَالَ الْمُنَافِقُ: كَيْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَلَا يَعْلَمُ مَكَانَ نَاقَتِهِ؟! أَلَا يُخْبِرُهُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ؟! فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْمُنَافِقِ، وَبِمَكَانِ النَّاقَةِ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: «مَا أَزْعَمُ أَنِّي أَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَمَا أَعْلَمُهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِقَوْلِ الْمُنَافِقِ، وَبِمَكَانِ النَّاقَةِ، هِيَ فِي الشِّعْبِ، قَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ»، فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ قِبَلَ الشِّعْبِ، فَإِذَا هُوَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ[٩]. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: فَرَجَعَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَعَجَبٌ مِنْ شَيْءٍ حَدَّثَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ آنِفًا، عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي قَالَ زَيْدُ بْنُ لُصَيْتٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: زَيْدٌ وَاللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ! فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ: إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ! اخْرُجْ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ رَحْلِي، فَلَا تَصْحَبْنِي! قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ زَيْدًا تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَزَلْ مُتَّهَمًا بِشَرٍّ حَتَّى هَلَكَ.

الشاهد ٦

وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ [ت٢٠٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَضَلَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَاحِلَتَهُ، فَذَهَبَ فِي طَلَبِهَا، فَلَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: أَلَسْتَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟! أَفَلَا تَأْتِيهِ، فَيُخْبِرُكَ بِمَكَانِ رَاحِلَتِكَ؟! فَمَضَى الرَّجُلُ قَلِيلًا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رَاحِلَتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «فَمَا قُلْتَ لَهُ؟» قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُكَذِّبٍ؟ قَالَ: «أَفَلَا قُلْتَ لَهُ: إِنَّ الْغَيْبَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ قَطُّ إِلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ؟»

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ قَطُّ إِلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ»، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ، يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَيَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ.

الشاهد ٧

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[١١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَسْمُومَةً، ثُمَّ عَلِمَ بِهَا أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟» قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَيُطْلِعُكَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ! وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، قَالَتْ: «أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ»!

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا مَنْطِقُ السُّفَهَاءِ مِنَ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَصِلْ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَقُتِلُوا، وَمَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي»[١٢].

الشاهد ٨

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْخُرَاسَانِيُّ [ت٢٢٧هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: أَيَلِجُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِخَادِمِهِ: «اخْرُجْ إِلَى هَذَا، فَعَلِّمْهُ الْإِسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟»، فَسَمِعَهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: بِمَ جِئْتَنَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «جِئْتُكُمْ بِالْخَيْرِ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَتَدَعُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَأَنْ تُصَلُّوا بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَأَنْ تَصُومُوا مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا، وَأَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالِ أَغْنِيَائِكُمْ فَتَرُدُّوهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ»، فَقَالَ: هَلْ بَقِيَ مِنَ الْعِلْمِ شَيْءٌ لَا تَعْلَمُهُ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ عَلَّمَ اللَّهُ خَيْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[١٤]».

الشاهد ٩

وَرَوَى الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٥]، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنَ الْعِلْمِ عِلْمٌ لَمْ تُؤْتَهُ؟ قَالَ: «لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْمًا كَثِيرًا، وَعِلْمًا حَسَنًا»، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ إِلَى ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ، «لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى».

الشاهد ١٠

وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[١٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ، قَالَ دَلْهَمٌ: وَحَدَّثَنِي أَيْضًا أَبِي الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ لَقِيطَ بْنَ عَامِرٍ خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ، قَالَ لَقِيطٌ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لِانْسِلَاخِ رَجَبٍ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأُسْمِعَكُمُ الْيَوْمَ، أَلَا هَلْ مِنِ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ؟ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ، أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ، أَوْ يُلْهِيَهُ الضُّلَّالُ، أَلَا وَإِنِّي مَسْؤُولٌ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلَا اسْمَعُوا تَعِيشُوا، أَلَا اجْلِسُوا اجْلِسُوا»، فَجَلَسَ النَّاسُ، وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ؟ قَالَ: فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَهَزَّ رَأْسَهُ، وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي سَقَطَهُ، وَقَالَ: «ضَنَّ رَبُّكَ بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَ، وَعَلِمَ الْمَنِيَّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ وَلَا تَعْلَمُونَهُ، وَعَلِمَ مَا فِي غَدٍ، قَدْ عَلِمَ مَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلَا تَعْلَمُ، وَيَعْلَمُ يَوْمَ الْغَيْثِ، لَيُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ غَوْثَكُمْ قَرِيبٌ، وَعَلِمَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ حَاجَتِي، فَلَا تَعْجَلْنِي، قَالَ: «سَلْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنَا مِمَّا تَعْلَمُ وَلَا نَعْلَمُ، فَعَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ وَغَيْرِهَا.

الشاهد ١١

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ فِي حَدِيثٍ: خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَبْوَابَ الْغَيْبِ، وَقَالَ: «سَلُونِي، وَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «خَصَّ أَبْوَابَ الْغَيْبِ» أَيِ اسْتَثْنَاهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: «سَلُونِي عَمَّا دُونَهَا، وَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ دُونَهَا إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ».

الشاهد ١٢

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ»، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ]: «أَمَّا هَذَا فَلَا تَقُولُوهُ، مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ»[١٩].

الشاهد ١٣

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٢٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ جَرِيرٍ الصُّورِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي عُرْسٍ لَهُنَّ يُغَنِّينَ: «وَأَهْدَى لَهَا كَبْشًا ... تَنَحْنَحَ فِي الْمِرْبَدِ ... وَزَوْجُكِ فِي النَّادِي ... وَيَعْلَمُ مَا فِي غَدِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ».

الشاهد ١٤

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ[٢٢]، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.

الشاهد ١٥

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[٢٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -يَعْنِي لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ- لَمَّا تَلَاعَنَا: «أَمَّا أَنْتُمَا فَقَدْ عَرَفْتُمَا أَنِّي لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا كَانَ النَّبِيُّ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَخَلِيفَتُهُ الرَّاشِدُ الْمَهْدِيُّ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَعْلَمَهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ سَرَائِرِهِمْ وَمَا يَكْسِبُونَهُ غَدًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْغَيْبِ إِذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى خِلَافَتِهِ، وَسُؤَالُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ تَعَنُّتٌ وَعِنَادٌ، وَلَوْ فَعَلَ اللَّهُ كُلَّ مَا يَهْوِيهِ النَّاسُ وَيَسْأَلُونَهُ لَابْتُذِلَتِ الْبَيِّنَاتُ، وَرُفِعَ التَّكْلِيفُ، وَلَمْ يُبْقَ لِلْإِبْتِلَاءِ مَجَالٌ، وَلَا لِلْإِيمَانِ كَرَامَةٌ!

↑[١] . صحيح مسلم، ج١، ص١٠٨
↑[٢] . يعني الإسراء به ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
↑[٣] . صحيح البخاري، ج٥، ص٥٢
↑[٤] . مسند أحمد، ج٥، ص٢٨
↑[٥] . تفسير يحيى بن سلام، ج١، ص٢٠٦
↑[٦] . مغازي الواقدي، ج٢، ص٤٢٣
↑[٧] . الخصية: البيضة من أَعضاء التناسل.
↑[٨] . سيرة ابن هشام، ج٢، ص٥٢٣
↑[٩] . تفسير الثعلبي، ج٢٦، ص٤٦٠
↑[١٠] . تفسير يحيى بن سلام، ج٢، ص٦٤٦
↑[١١] . الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٢، ص٢٠٠
↑[١٢] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢٩؛ مغازي الواقدي، ج٢، ص٦٧٩؛ سيرة ابن هشام، ج٢، ص٣٣٨؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٢، ص٢٠١؛ مسند أحمد، ج٣٩، ص٣٥٦؛ مسند الدارمي، ج١، ص٢٠٧؛ صحيح البخاري، ج٦، ص٩؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٧٤؛ أنساب الأشراف للبلاذري، ج١، ص٥٤٩؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٣، ص٦٠
↑[١٣] . سنن سعيد بن منصور (تكملة التفسير)، ج٧، ص٦٠
↑[١٤] . لقمان/ ٣٤
↑[١٥] . تفسير الطبري، ج٢٠، ص١٦٠
↑[١٦] . السنة لابن أبي عاصم، ج١، ص٢٨٦
↑[١٧] . مسند أبي داود الطيالسي، ج١، ص٤١
↑[١٨] . صحيح البخاري، ج٥، ص٨٢
↑[١٩] . سنن ابن ماجه، ج١، ص٦١١
↑[٢٠] . المعجم الأوسط للطبراني، ج٣، ص٣٦٠
↑[٢١] . صحيح البخاري، ج٩، ص١١٦
↑[٢٢] . الأنعام/ ١٠٣
↑[٢٣] . مصنف عبد الرزاق، ج٧، ص١١٦
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساعد في نشر المعرفة. إنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
إذا كنت معتادًا على لغة أخرى، يمكنك ترجمة هذا إليها. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة دروس السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ
الكتاب: تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الثالثة
تاريخ النشر: غرة رجب ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان