الحديث ٢٤
لا يزال المسلمون وفيهم موفّق مسدّد.
رَوَى الدَّارَمِيُّ [ت٢٥٥هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ، أَنَّ وَهْبَ بْنَ عَمْرٍو الْجُمَحِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا تَعْجَلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَا تَعْجَلُوهَا قَبْلَ نُزُولِهَا، لَا يَنْفَكُّ الْمُسْلِمُونَ وَفِيهِمْ إِذَا هِيَ نَزَلَتْ مَنْ إِذَا قَالَ وُفِّقَ وَسُدِّدَ، وَإِنَّكُمْ إِنْ تَعْجَلُوهَا، تَخْتَلِفْ بِكُمُ الْأَهْوَاءُ، فَتَأْخُذُوا هَكَذَا وَهَكَذَا»
وَأَشَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَعْرِفُوا وَهْبَ بْنَ عَمْرٍو الْجُمَحِيَّ، وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيُّ الَّذِي كَانَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَأَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ جَاءَ أَبُوهُ لِيَقْتُلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَسَرَّ فَأَسْلَمَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ تَابَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ:
الشاهد ١
رَوَى أَبُو دَاوُدَ [ت٢٧٥هـ] فِي «الْمَرَاسِيلِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْجَلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ إِذَا قَالَ سُدِّدَ أَوْ وُفِّقَ، وَإِنَّكُمْ إِنْ عَجِلْتُمْ تَشَعَّبَتْ بِكُمُ السُّبُلُ هَا هُنَا، وَهَا هُنَا، وَهَا هُنَا».
الشاهد ٢
وَرَوَى الدَّارَمِيُّ [ت٢٥٥هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لِي: «كَانَ هَذَا؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «آللَّهِ؟» قُلْتُ: آللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تَعْجَلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْجَلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إِذَا سُئِلَ سُدِّدَ، وَإِذَا قَالَ وُفِّقَ».
الشاهد ٣
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ [ت٤٥٨هـ] فِي «الْمَدْخَلِ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى»[٤]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْتَعْجِلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، لَمْ يَزَلْ مِنْكُمْ يُوَفَّقُ وَيُسَدَّدُ، وَإِنَّكُمْ إِنِ اسْتَعْجَلْتُمْ بِهَا قَبْلَ نُزُولِهَا، تَفَرَّقَتْ بِكُمُ السُّبُلُ هَهُنَا وَهَهُنَا»، وَأَشَارَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمُوَفَّقُ الْمُسَدَّدُ هُوَ الْعَالِمُ الَّذِي يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا ظَاهِرًا لِيَسْأَلُوهُ فَيُجِيبَهُمْ بِالْحَقِّ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِذَا اسْتَعْجَلُوا جَعَلَ اللَّهُ إِمَامَهُمْ غَيْرَ ظَاهِرٍ، فَأَصْبَحُوا لَا يَسْأَلُونَهُ، أَوْ يَسْأَلُونَهُ فَيَسْكُتُ أَوْ يُجِيبُهُمْ بِالتَّقِيَّةِ، فَهُنَاكَ يَأْتِيهِمُ الْخِلَافُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِسْتِعْجَالِ بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا بَيْعَةُ مَنْ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِبَيْعَتِهِ؛ فَإِنَّهَا اسْتِنْزَالُ الْفِتْنَةِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ.