الحديث ٣٩
التغليظ على الإمام في السؤال
رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «الْإِيمَانِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا غُلَامَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ»، قَالَ: إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالِكَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَنَا رَسُولُ قَوْمِي إِلَيْكَ وَوَافِدُهُمْ، وَأَنَا سَائِلُكَ فَمُشِيِّدُ مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ، وَمُنَاشِدُكَ فَمُشَيِّدُ مُنَاشَدَتِي إِيَّاكَ، -وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ، فَمُشَدِّدٌ مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ، وَمُنَاشِدُكَ، فَمُشَدِّدٌ مُنَاشَدَتِي إِيَّاكَ- فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «خُذْ عَلَيْكَ يَا أَخَا بَنِي سَعْدٍ» -وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «سَلْ يَا أَخَا بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ»- فَقَالَ: مَنْ خَلَقَكَ، وَمَنْ هُوَ خَالِقُ مَنْ قَبْلَكَ، وَمَنْ هُوَ خَالِقُ مَنْ بَعْدَكَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَنَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَهُوَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأَجْرَى بَيْنَهُمَا الرِّزْقَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَأَنْشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَهُوَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنَّا وَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ، وَأَمَرَتْنَا رُسُلُكَ، أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ لِمَوَاقِيتِهَا، فَنَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَهُوَ أَمَرَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنَّا وَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ، وَأَمَرَتْنَا رُسُلُكَ، أَنْ نَأْخُذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِنَا فَنَرُدَّهُ عَلَى فُقَرَائِنَا، فَنَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَهُوَ أَمَرَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الْخَامِسَةُ فَلَسْتُ بِسَائِلِكَ عَنْهَا، وَلَا إِرْبَ لِي فِيهَا -يَعْنِي الْفَوَاحِشَ- قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَأَعْمَلَنَّ بِهَا وَمَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي، ثُمَّ رَجَعَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَهَانِئُ بْنُ يَحْيَى، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، بَلْ تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ رَوَاهُ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَقَطَ اسْمُ كُرَيْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ.
الشاهد ١
رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ [ت٢١٣هـ] فِي «سِيرَتِهِ»[٢]، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، قَالَ: أَمُحَمَّدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغَلِّظٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ، قَالَ: «لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّهُ بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً، الزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ، وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا، يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، ثُمَّ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
الشاهد ٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ، وَكَانَ جَلْدًا أَشْعُرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَأَغْلَظَ فِي الْمَسْأَلَةِ، سَأَلَهُ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ وَبِمَا أَرْسَلَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ مُسْلِمًا قَدْ خَلَعَ الْأَنْدَادَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، فَمَا أَمْسَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا، وَبَنُوا الْمَسَاجِدَ وَأَذَّنُوا بِالصَّلَوَاتِ.
الشاهد ٣
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ، فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ، أَوْ قَالَ: أَفِيكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: هُوَ هَذَا الْأَمْغَرُ الْمُرْتَفِقُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ مَسْأَلَتِي، أَسْأَلُكَ بِرَبِّ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَبِرَبِّ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَسْأَلُكَ بِذَلِكَ، أَهُوَ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَسْأَلُكَ بِذَلِكَ، أَهُوَ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا شَهْرًا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَسْأَلُكَ بِذَلِكَ، أَهُوَ أَمَرَكَ أَنْ تَحُجَّ الْبَيْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَسْأَلُكَ بِذَلِكَ، أَهُوَ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهُ عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ آمَنْتُ بِكَ وَصَدَّقْتُكَ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، فَأَمَّا هَذِهِ الْهَنَةُ وَالْهُنَيَّاتُ فَقَدْ كُنَّا نَدَعُهَا تَكَرُّمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا كَانَ أَوْجَزَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ.
الشاهد ٤
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَبْتُكَ»، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ، فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ، فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ»، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.
الشاهد ٥
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ [ت٢٠٧هـ] فِي «فُتُوحِ الشَّامِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ جَازِمٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مَازِنٍ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ ضِرَارٌ وَالصَّحَابَةُ بَيْنَ يَدَيْ هِرَقْلَ خَاطَبَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَرْجُمَانٍ، فَقَالَ لِضِرَارٍ وَمَنْ مَعَهُ: مَنْ يُخَاطِبُنِي مِنْكُمْ عَمَّا أَسْأَلُهُ مِنَ الْعِلْمِ؟ فَأَشَارُوا إِلَى قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ شَيْخًا مُعَمَّرًا، وَكَانَ شَاهَدَ جَمِيعَ أَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَمُعْجِزَاتِهِ وَغَزَوَاتِهِ، فَذَكَرَ قَيْسٌ مِنْ أَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ: لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ، فَأَنَاخَهُ بِالْبَابِ وَعَقَلَهُ وَدَخَلَ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ فَقُلْنَا: هَذَا الْأَبْيَضُ الْوَجْهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَدْ أَتَيْتُ أَسْأَلُكَ مُشَدِّدًا عَلَيْكَ فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ»، فَقَالَ: بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ كَافَّةً؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا، فَتَقْسَمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، أَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.