الحديث ٣٨
للإمام الإجابة على الزيادة والنقصان
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا بَالِي أَسْأَلُكَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَتُجِيبُنِي فِيهَا بِالْجَوَابِ، ثُمَّ يَجِيئُكَ غَيْرِي فَتُجِيبُهُ فِيهَا بِجَوَابٍ آخَرَ؟ فَقَالَ: «إِنَّا نُجِيبُ النَّاسَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ الْإِجَابَةُ عَنْ سُؤَالٍ وَاحِدٍ بِشَكْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ الْوَاحِدَ قَدْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ وَاحِدٌ فِي حَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، أَوْ سَائِلُونَ مُخْتَلِفُونَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ سَائِلُونَ مُخْتَلِفُونَ فِي حَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِمَا يُنَاسِبُ السَّائِلَ أَوْ يُنَاسِبُ الْحَالَةَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَفَاوُتًا فِي عِلْمِهِ وَلَا تَنَاقُضًا فِي قَوْلِهِ، لَكِنَّهُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمُرَاعَاةِ:
الشاهد ١
كَمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ [ت٢٩٠هـ] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَشْيَمَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ بِهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ، فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَهُ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى كَادَ قَلْبِي يُشْرَحُ بِالسَّكَاكِينِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: «تَرَكْتُ أَبَا قَتَادَةَ بِالشَّامِ لَا يُخْطِئُ بِالْوَاوِ وَشِبْهِهَا، وَجِئْتُ إِلَى هَذَا يُخْطِئُ هَذَا الْخَطَأَ كُلَّهُ»! فَدَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ بِعَيْنِهَا، فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ الرَّجُلَيْنِ، فَسَكَنَتْ نَفْسِي وَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْهُ تَعَمُّدٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَشْيَمَ، إِنَّ اللَّهَ فَوَّضَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[٣]».
الشاهد ٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكَشِّيُّ [ت٣٥٠هـ] فِي «رِجَالِهِ»[٤]، قَالَ: قِيلَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ رِيَاحٍ كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ بِإِمَامَةِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ إِنَّهُ فَارَقَ هَذَا الْقَوْلَ وَخَالَفَ أَصْحَابَهُ، مَعَ عِدَّةٍ يَسِيرَةٍ بَايَعُوهُ عَلَى ضَلَالَتِهِ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَهُ فِيهَا بِجَوَابٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فِي عَامٍ آخَرَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، فَأَجَابَهُ فِيهَا بِخِلَافِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «هَذَا خِلَافُ مَا أَجَبْتَنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَامَكَ الْمَاضِي»، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «إِنَّ جَوَابَنَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ»، فَشَكَّ فِي أَمْرِهِ وَإِمَامَتِهِ، فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَنِي فِيهَا بِجَوَابٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهَا فِي عَامٍ آخَرَ، فَأَجَابَنِي فِيهَا بِخِلَافِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَعَلْتُهُ لِلتَّقِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا وَأَنَا صَحِيحُ الْعَزْمِ عَلَى التَّدَيُّنِ بِمَا يُفْتِينِي فِيهِ وَقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَلَا وَجْهَ لِاتِّقَائِهِ إِيَّايَ وَهَذِهِ حَالِي»، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: «فَلَعَلَّهُ حَضَرَكَ مَنِ اتَّقَاهُ»، فَقَالَ: «مَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَالَيْنِ غَيْرِي، لَا، وَلَكِنْ كَانَ جَوَابُهُ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ التَّبْخِيتِ[٥]، وَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فَيُجِيبُ بِمِثْلِهِ»، فَرَجَعَ عَنْ إِمَامَتِهِ، وَقَالَ: «لَا يَكُونُ إِمَامٌ يُفْتِي بِالْبَاطِلِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَا يَكُونُ إِمَامٌ يُفْتِي بِتَقِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ مَا يَجِبُ عِنْدَ اللَّهِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَبَ الرَّجُلُ إِذْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الْعَزْمِ عَلَى التَّدَيُّنِ بِمَا يُفْتِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ وَجْهٌ لِاتِّقَائِهِ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، فَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ أَعْلَمَ بِحَالِهِ مِنْهُ إِذِ اتَّقَاهُ، وَلَعَلَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، ثُمَّ تَغَيَّرَ، فَاتَّقَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي الْجَوَابِ الْأَخِيرِ لِكَيْ لَا يَرْوِيَ عَنْهُ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ، وَكَانَ الْحَقُّ هُوَ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ، ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾[٦].