الحديث ٢٩
«الْعُلَمَاءَ فِي الْأَصْلِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «ثَوَابِ الْأَعْمَالِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًى بِهِ، وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
شاهد
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، جَمِيعًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْقَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ، وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «نَحْنُ الْعُلَمَاءُ، وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ، وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ»[٣]، وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ؛ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي الْأَصْلِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ لِقَوْلِهِ: «الْخُلَفَاءُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»، وَقَوْلِهِ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»، وَمِمَّا يَشْهَدُ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ حَيْثُ يُعْتَبَرُونَ وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ مَا رُوِيَ فِي شَأْنِ عَلِيٍّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ وَارِثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مَشْهُورًا فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ؛ كَمَا رُوِيَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَ وَرِثْتَ ابْنَ عَمِّكَ دُونَ عَمِّكَ؟ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَصَنَعَ لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ، ثُمَّ دَعَا بِغُمَرٍ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَبَقِيَ الشَّرَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ أَوْ لَمْ يُشْرَبْ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِخَاصَّةٍ، وَإِلَى النَّاسِ بِعَامَّةٍ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي، وَصَاحِبِي، وَوَارِثِي؟ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، وَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ أَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: اجْلِسْ، حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِي، ثُمَّ قَالَ: فَبِذَلِكَ وَرِثْتُ ابْنَ عَمِّي دُونَ عَمِّي»[٤]، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُؤَاخَاةِ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَأَنْتَ أَخِي وَوَارِثِي، قَالَ: وَمَا أَرِثُ مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا وَرَّثَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي، قَالَ: وَمَا وَرَّثَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَكَ؟ قَالَ: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»[٥]، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عَالِمَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ الَّذِي وَرِثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عِلْمَهُ، ثُمَّ وَرَّثَهُ الطَّيِّبِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ فَلْيَأْتِ الْبَابَ»، رَوَاهُ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ أَوْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ وَضَعَهُ أَبُو الصَّلْتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِرِوَايَتِهِ، بَلْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ؛ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: «أَبُو الصَّلْتِ لَيْسَ مِمَّنْ يَكْذِبُ، فَقِيلَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَقَالَ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ قَدِيمًا، ثُمَّ كَفَّ عَنْهُ»[٦]، وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ، قَالَ: «سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ: أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَيْدِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ»[٧]، وَمِمَّنْ تَابَعَهُ أَيْضًا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَرَجَاءُ بْنُ سَلَمَةَ، وَعُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، وَمُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْجَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَهُ شَاهِدَانِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا»[٨]، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيَأْتِ الْبَابَ»[٩]، وَقَدْ كَذَبَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ إِذَا جَاءَهُمْ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ كَذَّبُوهُ أَوْ أَوَّلُوهُ؛ كَمَثَلِ الَّذِينَ ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[١٠].