الحديث ٣٧
السّفل في السؤال
رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبِي الْمُعْتَمِرِ أَوْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ، قَالَ:
نَادَى عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «سَلُونِي»، فَقَالَ رَجُلٌ -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ-: أَتُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ: «سَفَلْتَ، سَفَلَ اللَّهُ بِكَ! أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾[٢] الْآيَةَ؟!».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: زَعَمَ الْبَيْهَقِيُّ [ت٤٥٨هـ] أَنَّ الصَّوَابَ الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ، عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ[٣]، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، بَلِ الصَّوَابُ الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ[٤]، وَأَبُو الْجُوَيْرِيَةِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيُّ، مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، نَزَلَ الْمَدَائِنَ، وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ [ت٤٦٣هـ] فِي «تَارِيخِ بَغْدَادَ»[٥]، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانٍ [ت٣٥٤هـ] فِي «الثِّقَاتِ»[٦]، وَأَبُو الْمُعْتَمِرِ هُوَ حَنَشُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِنَانِيُّ، مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، قَاتَلَ مَعَهُ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ، فَقَتَلَ حُرْقُوصَ بْنَ زُهَيْرٍ السَّعْدِيَّ[٧]، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَى عَنْ سَلْمَانَ بِوَاسِطَةِ عُلَيْمٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْعِجْلِيِّ [ت٢٦١هـ][٨]، وَأَبِي دَاوُدَ [ت٢٧٥هـ][٩]، أَوِ الصَّوَابُ الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ أَوْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ أَحَدِهِمَا، قَالَ وَكِيعٌ [ت١٩٧هـ]: «شَكَّ الصَّلْتُ»[١٠]، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْإِسْنَادِ، أَوِ الصَّوَابُ الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ وَأَبِي الْمُعْتَمِرِ؛ فَهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عَلِيٍّ جَمِيعًا، وَكَانَا مِنَ التَّوَّابِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا طَالِبِينَ بِدَمِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَا فِي خَيْلِ الْمُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ؛ كَمَا رَوَى أَبُو مِخْنَفٍ [ت١٥٧هـ]، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَنَّ الْمُسَيِّبَ بْنَ نَجَبَةَ بَعَثَ أَبَا الْجُوَيْرِيَةِ الْعَبْدِيَّ فِي مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَحَنَشَ بْنَ رَبِيعَةَ أَبَا الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيَّ فِي مِثْلِهَا، وَبَقِيَ هُوَ فِي مِائَةٍ[١١]، فَلَمَّا قُتِلَ أَخَذَ الرَّايَةَ رَفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، فَرَجَعَ بِالنَّاسِ، وَخَلَّفَ وَرَاءَهُمْ أَبَا الْجُوَيْرِيَةِ الْعَبْدِيَّ فِي سَبْعِينَ فَارِسًا لِحَمْلِ مَنْ سَقَطَ مِنَ الرِّجَالِ، وَقَبْضِ مَا وَجَدَ مِنَ الْمَتَاعِ وَحِفْظِهِ عَلَى أَهْلِهِ وَتَعْرِيفِهِ[١٢]. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ: «وَكَانَ فِينَا قُصَّاصٌ ثَلَاثَةٌ[١٣]: رَفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ الْبَجَلِيُّ، وَصُخَيْرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مَالِكٍ الْمُرِّيُّ، وَأَبُو الْجُوَيْرِيَةِ الْعَبْدِيُّ»[١٤].
شاهد
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٥]، بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ: «سَفَلْتَ، سَفَلَ اللَّهُ بِكَ! أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾[١٦]؟!».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَزِيدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ [ت١٢٤هـ]، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ»[١٧]، وَلَيْسَ هُوَ بِأَخِي زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَوْلُهُ: «سَفَلْتَ» يَعْنِي أَتَيْتَ بِسَافِلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ إِذَا أَتَيْتَ النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ، أَوْ يَعْنِي سَفَلْتَ فِي السُّؤَالِ، إِذْ سَأَلْتَنِي عَنْ مِثْلِ هَذَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ النَّاسِ، وَفِيهِمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمُسْتَشْنِعُونَ لِذَلِكَ، وَقَدْ لَا أُجِيبُكَ بِحَقٍّ لِمُرَاعَاتِهِمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ[١٨].