الحديث ٥٤
«كَرَاهِيَةُ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ، وَلَا وَجْهَ لِاسْتِعْجَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ»
رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ [ت٣١١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا»، وَقَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ»، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[٢].
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، وَيُوسُفُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَابَعَهُمْ عَلَى رِوَايَةِ ذَيْلِهِ عَنْهُ[٣] هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعَجْلَانُ، وَالْأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ.
الشاهد ١
رَوَى الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي يَعْنِي الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي عَطِيَّةَ بْنَ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا قَوْمِ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَأُغْضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذًا لَكَفَرْتُمْ، فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
الشاهد ٢
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ [ت٣٢١هـ] فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدِ بْنُ أَبِي الْعُمَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُطِيعٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَغْضَبَ، فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ هَذَا السَّائِلُ؟» فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا، فَقَالَ: «وَيْحَكَ، مَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَقُولَ: نَعَمْ؟! وَاللَّهِ لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ، أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ، وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَحْلَلْتُ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْهَا مَوْضِعَ خُفِّ بَعِيرٍ، لَوَقَعْتُمْ فِيهِ»، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
الشاهد ٣
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[٧]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ»، فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
الشاهد ٤
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ غَضْبَانُ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ مَعَهُ جِبْرِيلَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا كَانَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مُنْقَعًا مِنْهُ، فَقَالَ: «سَلُونِي، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ فِي النَّارِ»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ آخَرُ، فَقَالَ: أَعْلَيْنَا الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: «لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا لَهَلَكْتُمْ»، قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا حَدِيثِي عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، فَلَا تُبْدِ سَوْآتِنَا، وَلَا تَفْضَحْنَا لِسَرَائِرِنَا، وَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ نَحْوَ الْحَائِطِ، فَقَالَ: «لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ دُونَ هَذَا الْحَائِطِ».
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ بِشْرَانَ [ت٤٣٠هـ] فِي «أَمَالِيهِ»[٩]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجُونِيُّ، عَنْ أَبِي فِرَاسٍ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ الَّذِي تُدْعَى إِلَيْهِ»، فَسَأَلَهُ آخَرُ: أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، وَسَأَلَهُ آخَرُ، فَقَالَ: أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: «فِي النَّارِ»، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ وَالْبِدَعَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَبْتَدِعُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا لَيْسَ مِنْهُ إِلَّا مَا خَلَّفَ خَيْرٌ مِمَّا ابْتَدَعَ، إِنَّ أَمْلَكَ الْأَعْمَالِ خَوَاتِيمُهَا، إِنَّكُمْ تَرْجِعُونَ إِلَى مَا فِي قُلُوبِكُمْ، مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَدَعُونِي مَا وَدَعْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ».
الشاهد ٦
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى [ت٣٠٧هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ آخَرُ فَقَالَ: أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، ثُمَّ قَالَ: «اسْكُتُوا عَنِّي مَا سَكَتُّ عَنْكُمْ، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَلَئِكُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى تُفَرِّقُوهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ».
الشاهد ٧
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُكْرَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ فَانْتَهُوا».
الشاهد ٨
وَرَوَى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ [ت١٥٣هـ] فِي «الْجَامِعِ»[١٢]، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتَمِرُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
الشاهد ٩
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ [ت١٥٦هـ] فِي «الْمَنَاسِكِ»[١٣]، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُلَّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ نَبِيُّ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُلَّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ نَبِيُّ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُلَّ عَامٍ؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ، وَمَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُهْلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، أَلَا وَإِنَّمَا هِيَ حِجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، فَمَنْ قَضَاهُمَا فَقَدْ قَضَى الْفَرِيضَةَ، فَمَا أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ، وَلَا وَجْهَ لِاسْتِعْجَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾[١٤].