الحديث ١٦
«الْوَاجِبُ عَلَى النَّاسِ سُؤَالُ الْإِمَامِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ»
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ وَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ فِي السَّاعَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا»، قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي، سَلُونِي»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مُدْخَلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النَّارُ»، قَالَ: وَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، قَالَ: ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي»، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، وَأَنَا أُصَلِّي، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ».
الشاهد ١
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ [ت٣٢١هـ] فِي «شَرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَضْبَانَ قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ»، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْنَ أَبِي؟ فَقَالَ: «فِي النَّارِ»، فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةَ»، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا، قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[٣].
الشاهد ٢
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ»، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ»، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
الشاهد ٣
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي فِرَاسٍ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ -اسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ»، الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، وَقَالَ آخَرُ: أَفِي الْجَنَّةِ أَنَا، أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَقَامَ عُمَرُ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا.
الشاهد ٤
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ فِي حَدِيثٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ إِلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَنْ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَنْزِلَ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ»، الَّذِي كَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ.
الشاهد ٥
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ [ت٥٣٥هـ] فِي «التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ»[٧]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي شَجَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي حَدِيثٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا مُتَلَفِّعًا بِعِطَافٍ[٨]، مُسْنَدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ أَثَرِ شَكَاةٍ كَانَتْ بِهِ، حَتَّى أَتَى مَقَامَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ بِيَدِهِ لِلنَّاسِ: «تَأَخَّرُوا -وَرَدَّدَهَا ثَلَاثًا- فَإِنَّكُمْ لَا تَقَدَّمُونَ الْمَلَائِكَةَ»، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: «إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنْيَا، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا أَنْظُرُ إِلَى كَفِّي هَذِهِ، جِلِّيَانٌ[٩] مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ، كَمَا جَلَّى لِلنَّبِيِّينَ قَبْلَهُ، فَسَلُونِي -رَدَّدَهَا ثَلَاثًا- وَايْمُ اللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ».
الشاهد ٦
وَرَوَى الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ [ت٣٣٥هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُسْأَلُ[١١]، فَقَالَ: «سَلُونِي»، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا حَرَّضَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى السُّؤَالِ عَمَّا يَعْنِيهِمْ، فَأَخَذُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِمْ، وَلِذَلِكَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ؛ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[١٢]؟ كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ»[١٣]. قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْوَاجِبُ عَلَى النَّاسِ سُؤَالُ الْإِمَامِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ.