الحديث ٨
وجوب الردّ إلى أئمّة الهدى
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، أَنَّهُ عَرَضَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْضَ خُطَبِ أَبِيهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَوْضِعًا مِنْهَا، قَالَ لَهُ: «كُفَّ وَاسْكُتْ»، ثُمَّ قَالَ:
«لَا يَسَعُكُمْ فِيمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ إِلَّا الْكَفُّ عَنْهُ وَالتَّثَبُّتُ وَالرَّدُّ إِلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى، حَتَّى يَحْمِلُوكُمْ فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ، وَيَجْلُوا عَنْكُمْ فِيهِ الْعَمَى، وَيُعَرِّفُوكُمْ فِيهِ الْحَقَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[٢]».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبُو عُمَارَةَ حَمْزَةُ بْنُ الطَّيَّارِ مِنْ صَالِحِي الشِّيعَةِ، فَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا: «مَا فَعَلَ ابْنُ الطَّيَّارِ؟» فَقَالَا: «مَاتَ»، فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَقَّاهُ نَضْرَةً وَسُرُورًا، فَإِنَّهُ كَانَ يُخَاصِمُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ»[٣]، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِابْنِ الطَّيَّارِ أَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِالْمُخَاصَمَةِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمَاتَ فِي زَمَنِ جَعْفَرٍ، وَأَمَّا حَمْزَةُ فَقَدْ رَوَى عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَهُ، فَرَآنِي أَتَأَوَّهُ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: ضِرْسِي، فَقَالَ: لَوِ احْتَجَمْتَ، فَاحْتَجَمْتُ، فَسَكَنَ، فَأَعْلَمْتُهُ، فَقَالَ لِي: مَا تَدَاوَى النَّاسُ بِشَيْءٍ خَيْرٍ مِنْ مَصَّةِ دَمٍ أَمْ مُزْعَةِ عَسَلٍ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا مُزْعَةُ عَسَلٍ؟ قَالَ: لَعْقَةُ عَسَلٍ»[٤]، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الطَّيَّارَ لَقَبُ مُحَمَّدٍ، كَانَ فِي الْمُخَاصَمَةِ كَالطَّيْرِ يَقَعُ وَيَقُومُ، وَالْمُرَادَ بِابْنِ الطَّيَّارِ حَمْزَةُ، فَلَعَلَّ حَمْزَةَ سَارَ عَلَى نَهْجِ أَبِيهِ بَعْدَهُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهْتِمَامُهُ بِخُطَبِهِ وَمَسَائِلِهِ، وَلَمْ تَصِحَّ رِوَايَتُهُ عَنْ مُوسَى؛ فَقَدْ رَوَاهَا الْحَكَمُ بْنُ مِسْكِينٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ صَحَّتْ فَلَعَلَّهَا فِي حَيَاةِ جَعْفَرٍ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ شَيْئًا سَأَلَ مُوسَى مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا هِيَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مِنْ مُوسَى، فَلَا يُتْرَكُ لِمِثْلِهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ.
شاهد
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ [ت٢٧٤هـ] فِي «الْمَحَاسِنِ»[٥]، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تُخَاصِمُ النَّاسَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «وَلَا يَسْأَلُونَكَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا قُلْتَ فِيهِ شَيْئًا؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَيْنَ بَابُ الرَّدِّ إِذًا؟!»