الحديث ٥٠
إذا ذهب الإمام أتى الناس ما يوعدون.
رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ -فِي حَالِ اسْتِقَامَتِهِ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَمْضِي الْإِمَامُ وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ؟ قَالَ: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ»، قُلْتُ: فَيَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ، فَيُعَاجِلَهُمْ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ مُتَّهَمًا فِي دِينِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي رِوَايَتِهِ، وَزَعَمَ الطُّوسِيُّ أَنَّ طَائِفَتَهُ يَعْمَلُونَ بِمَا رَوَاهُ فِي حَالِ اسْتِقَامَتِهِ[٢]، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ رَوَاهَا فِي حَالِ اسْتِقَامَتِهِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا، بَلْ تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ:
الشاهد ١
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [تبعد٤١١هـ] فِي «دَلَائِلِ الْإِمَامَةِ»[٣] -وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّارِيخِ-، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ -فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ فُتِنَ بِهِ بَعْضُ فِرَقِ الشِّيعَةِ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْإِمَامَةَ بَطَلَتْ بَعْدَ إِمَامِهِمُ الْحَادِي عَشَرَ، فَارْتَفَعَتِ الْأَئِمَّةُ، وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا هَذَا إِمَامٌ وَلَا حُجَّةٌ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ عَنِ النَّبِيِّ وَالْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَى أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ إِذَا شَاءَ، وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ إِذَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ بِمَعَاصِيهِمْ فَجَعَلَهُ عُقُوبَةً لَهُمْ -ذَكَرَهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى النَّوْبَخْتِيُّ [تبعد٣٠٠هـ] فِي «فِرَقِ الشِّيعَةِ»[٤]- وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[٥] عَامٌّ لَا مُخَصِّصَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾[٦] مُخَصِّصًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ أَعَمُّ مِنَ الرَّسُولِ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْصِيصِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ كَانَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالُوا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْعَذَابُ أَوِ السَّاعَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ حَيْثُ قَالَتْ: «لَوْ رُفِعَ الْإِمَامُ مِنَ الْأَرْضِ لَسَاخَتْ وَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ».
الشاهد ٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكَشِّيُّ [ت٣٥٠هـ] فِي «رِجَالِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْبَغْدَادِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ اسْمَهُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَابْنُ السَّرَّاجِ، وَابْنُ الْمُكَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ فِي كَلَامٍ: إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَمْضِي حَتَّى يَرَى عَقِبَهُ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَمَا رُوِّيتُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ هَذَا؟!» قَالَ: لَا، قَالَ: «بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ رُوِّيتُمْ فِيهِ: ”إِلَّا الْقَائِمَ“ -يَعْنِي الْمَهْدِيَّ-، وَأَنْتُمْ لَا تَدْرُونَ مَا مَعْنَاهُ، وَلِمَ قِيلَ»، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَلَى وَاللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَفِي الْحَدِيثِ، قَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَيْلَكَ، كَيْفَ اجْتَرَأْتَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ تَدَعُ بَعْضَهُ؟!» ثُمَّ قَالَ: «يَا شَيْخُ، اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَكُنْ مِنَ الصَّادِّينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى»، وَكَانَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِإِمَامَةِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الشاهد ٣
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ [تبعد٤١١هـ] فِي «دَلَائِلِ الْإِمَامَةِ»[٨]، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ؛ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ [ت٤٦٠هـ] فِي «الْغَيْبَةِ»[٩]، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْفَامِيِّ، وَجَعْفَرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ؛ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ رُشَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَزَّازِ، قَالَ: دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ فِي كَلَامٍ: إِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَقُولُ: «لَا يَكُونُ الْإِمَامُ إِلَّا وَلَهُ عَقِبٌ»، فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: «نَسِيتَ -يَا شَيْخُ- أَمْ تَنَاسَيْتَ؟! لَيْسَ هَكَذَا قَالَ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّمَا قَالَ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَهْدِيِّ:- «فَإِنَّهُ لَا عَقِبَ لَهُ»، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ: صَدَقْتَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، هَكَذَا سَمِعْتُ جَدَّكَ يَقُولُ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ لَا عَقِبَ لَهُ، وَهُوَ يُوَافِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَمُوتُ قَرِيبًا مِنَ السَّاعَةِ، أَوْ يَدْفَعُ الْأَمْرَ إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ قَوِيَّتَانِ عَنِ النَّبِيِّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَقْوَى، وَلَمْ تَرِدْ فِي عَقِبِ الْمَهْدِيِّ رِوَايَةٌ قَوِيَّةٌ، وَوَرَدَتْ أَنَّ بَعْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ مَهْدِيًّا مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُمْ مِنْ وُلْدِ الْمَهْدِيِّ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ، فَعَسَى أَنْ يَكُونُوا وُزَرَاءَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ الطُّوسِيُّ [ت٤٦٠هـ] فِي «الْغَيْبَةِ»[١٠]: «فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ لِلْخَلَفِ -يَعْنِي الْمَهْدِيَّ- وَلَدًا، وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ ثَلَاثَةُ عَشَرَ، فَقَوْلُهُمْ يَفْسُدُ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ اثْنَا عَشَرَ، فَهَذَا الْقَوْلُ يَجِبُ إِطْرَاحُهُ».