الحديث ٥١
«كَرَاهِيَةُ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنْ عِبَادَتِهِ»
رَوَى أَبُو دَاوُدَ [ت٢٧٥هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُسَدَّدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ،
أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ قَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَمِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَدِّدُهَا حَتَّى سَكَنَ غَضَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: «لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ، وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟!» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «ذَلِكَ صَوْمُ دَاوُدَ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَصِيَامُ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».
الشاهد ١
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[٢]، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ صِيَامُكَ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَكْرَهُهُ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَكَتَ حَتَّى ذَهَبَ غَضَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ؟ قَالَ: «لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ»، أَوْ قَالَ: «مَا صَامَ، وَمَا أَفْطَرَ»، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي صِيَامِ يَوْمَيْنِ، وَفِطْرِ يَوْمٍ؟ قَالَ: «وَمَنْ يُطِيقَ ذَلِكَ؟!» قَالَ: فَصِيَامُ يَوْمٍ، وَفِطْرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنْ أُطِيقَ ذَلِكَ»، قَالَ: فَصِيَامُ يَوْمٍ، وَفِطْرُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «ذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ»، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؟ قَالَ: «ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ»، قَالَ: فَصِيَامُ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ»، قَالَ: فَصِيَامُ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: «كَفَّارَةُ سَنَةٍ»، قَالَ: فَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ قَالَ: «كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَمَا قَبْلَهَا».
الشاهد ٢
وَرَوَى إِسْمَاعِيْلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ [ت٥٣٦هـ] فِي «أَمَالِيهِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُسْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُقْرِئِ الْمَعْرُوفُ بِالنَّقَّاشِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ هَيَّاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ، إِنَّكُمْ لَنْ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ صَوْمُكَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا غَيَّرَ لَوْنَهُ حَتَّى رُئِيَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، قَالَ: ثُمَّ لَمْ نَدَعْ شَيْئًا عَنِ الصِّيَامِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا سُئِلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا تَرَى فِي صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الرَّجُلَ سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِهِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنِ الصَّوْمِ، وَكَانَ ذَلِكَ كَتَجَسُّسٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّجُلِ، وَتَزْكِيَةٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَخْبَرَ الرَّجُلَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنْ عِبَادَتِهِ.
الشاهد ٣
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَاسًا سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ عِبَادَتِهِ فِي السِّرِّ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَسْأَلُونَ عَمَّا أَصْنَعُ؟! أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».