الحديث ٤
«حَقٌّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، وَيُجِيبُوهُ إِذَا دَعَا»
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ [ت٢٢٤هـ] فِي «الْأَمْوَالِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ، وَالْأَشْجَعِيُّ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلِمَاتٍ أَصَابَ فِيهِنَّ الْحَقَّ، قَالَ:
«حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، وَيُجِيبُوهُ إِذَا دَعَا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَجَابِرُ بْنُ نُوحٍ، وَحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مُصْعَبًا سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ[٢]، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ قَرِيبُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[٣]، فَكَلَّفَ الْإِمَامَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى أَهْلِهَا وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ، وَكَلَّفَ النَّاسَ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا الْمُرَادَ بِأَدَاءِ الْإِمَامِ الْأَمَانَةَ إِلَى أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ أَدَاؤُهُ الْإِمَامَةَ إِلَى أَهْلِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ عَلَى سَبِيلِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَكْبَرُ الْأَمَانَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾[٤]، وَإِنَّمَا حَمَلَ الْإِنْسَانُ إِمَامَةَ الْخَلْقِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِمَارَةُ أَمَانَةٌ»، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ[٥]، فَأَرَادَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي حَيَاتِهِ، وَإِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ خَلِيفَةً صَالِحًا، فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ»، وَبِمِثْلِ قَوْلِي هَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ:
الشاهد ١
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «مَنْ لَا يَحْضُرُهُ الْفَقِيهُ»[٦]، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْمِسْمَعِيِّ؛ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ [ت٤٦٠هـ] فِي «تَهْذِيبِ الْأَحْكَامِ»[٧]، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ -يَعْنِي حُمَيْدَ بْنَ الْمُثَنَّى-، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ؛ جَمِيعًا عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، فَقَالَ: «عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ مَا عِنْدَهُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَأُمِرَتِ الْأَئِمَّةُ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، وَأُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ».