الحديث ٢٤
وجوب ردّ ما جُهل من القرآن إلى الإمام
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ -يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-، قَالَ:
سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَدَارَءُونَ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَاِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوهُ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ».
الشاهد ١
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: «مَهْلًا يَا قَوْمِ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ]: «رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ، وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ»[٣]، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدِي، كَمَا كَانَ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ آبَائِهِ فِي الْإِنْحِرَافِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَفَى بِذَلِكَ ضَعْفًا، فَلَا أَعْتَدُّ بِحَدِيثِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ شَوَاهِدُ، وَلِحَدِيثِهِ هَذَا شَوَاهِدُ:
الشاهد ٢
رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ».
الشاهد ٣
وَرَوَى الْهَرَوِيُّ [ت٤٨١هـ] فِي «ذَمِّ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ»[٥]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّرَّامُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي ابْنُ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ضُرِبَتْ قُبَّةٌ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ يَتَمَارَيَانِ فِي الْقُرْآنِ، فَسَمِعْنَا شَيْئًا يُحَرِّكُ أَطْنَابَ الْقُبَّةِ، فَالْتَفَتْنَا فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ طَلَعَ حَاسِرًا عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَمْ تَهْلِكِ الْأُمَمُ حَتَّى وَقَعُوا فِي مِثْلِ هَذَا، يَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، مَا كَانَ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا كَانَ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، وَمَا كَانَ مِنْ مُتَشَابِهٍ فَآمِنُوا بِهِ».
الشاهد ٤
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ [ت١٦١هـ] فِي «حَدِيثِهِ»[٦]، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَرَجْتُ، فَإِذَا نَفَرٌ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَتَذَاكَرُوا آيَةً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيمَا أُنْزِلَتْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي كَذَا وَكَذَا، حَتَّى اخْتَلَفُوا وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ كَالْمُغْضَبِ، فَقَالَ: «يَا قَوْمِ، دَعُوا الْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ -ثَلَاثًا-، فَإِنَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى اخْتَلَفُوا وَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ».
الشاهد ٥
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُجَادِلُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ جِدَالًا فِيهِ كُفْرٌ».
الشاهد ٦
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: تَشَاجَرَ رَجُلَانِ فِي آيَةٍ، فَارْتَفَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا تَمَارَوْا فِيهِ، فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ»، يَعْنِي الْقُرْآنَ.
الشاهد ٧
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ [ت١٨٠هـ] فِي «حَدِيثِهِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَمَارَيَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كِلَاهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمَشَيَا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكِلَاهُمَا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَا تَتَمَارَوْا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ».