الحديث ٢٠
يكون بعد النبيّ سلطان يجب إعزازه، وهو سلطان اللّه في الأرض.
رَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«سَيَكُونُ بَعْدِي سُلْطَانٌ، فَأَعِزُّوهُ، مَنِ الْتَمَسَ ذُلَّهُ ثَغَرَ ثُغْرَةً فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ تَوْبَةٌ حَتَّى يُعِيدَهَا كَمَا كَانَتْ».
الشاهد ١
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٢] أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جُنَاحٍ، حَدَّثَنَا نُصَيْرٌ مَوْلَى خَالِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَكُونُ بَعْدِي سُلْطَانٌ، فَمَنْ أَرَادَ ذُلَّهُ ثَغَرَ فِي الْإِسْلَامِ ثُغْرَةً، وَلَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ إِلَّا أَنْ يَسُدَّهَا، وَلَيْسَ يَسُدُّهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
الشاهد ٢
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٣] أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: حَمَلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُ كَائِنٌ بَعْدِي سُلْطَانٌ، فَلَا تُذِلُّوهُ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُذِلَّهُ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَلَيْسَ يُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ حَتَّى يَسُدَّ ثُلْمَتَهُ الَّتِي ثَلَمَ، وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَالسُّلْطَانُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ وَأَمَرَ بِإِعْزَازِهِ هُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ سُلْطَانَ النَّاسِ.
الشاهد ٣
كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ [ت٢٧٩هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى[٥]: «مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ أَهَانَهُ اللَّهُ».
الشاهد ٤
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ [ت٢٩٢هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ مَشَوْا إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ لِيُذِلُّوهُ إِلَّا أَذَلَّهُمُ اللَّهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا عَلَى قَوْمٍ، وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُو أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَخَانَ رَسُولَ اللَّهِ وَخَانَ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ مَشَى إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ لِيُذِلَّهَ، أَذَلَّ اللَّهُ رَقَبَتَهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ مَا ذَخَرَ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ جَاءَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «سُلْطَانُ اللَّهِ كِتَابُهُ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ»، وَهِيَ زِيَادَةٌ مُنْكَرَةٌ، أَظُنُّهَا مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ؛ فَقَدْ كَانَ يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ[٨]، وَسُلْطَانُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَتُهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ سُلْطَانُ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ دُونَ النَّاسِ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ نَالَ سُلْطَانًا بِتَغَلُّبٍ مِنْهُ أَوْ رَأْيٍ مِنَ النَّاسِ سُلْطَانُ اللَّهِ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِعُوَّادِهِ وَجُلَسَائِهِ: «هَذَا السُّلْطَانُ سُلْطَانُ اللَّهِ، جَعَلَهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ أَنْتُمْ تَجْعَلُونَهُ»[٩]، وَكَانَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ يَوْمًا لِمَنْ عِنْدَهَا: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا دَعَاكُمْ دَاعِيَانِ: دَاعٍ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَدَاعٍ إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ؟» فَقَالُوا: «نُجِيبُ الدَّاعِي إِلَى كِتَابِ اللَّهِ»، فَقَالَتْ: «لَا، بَلْ أَجِيبُوا الدَّاعِيَ إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ مَعَ سُلْطَانِهِ»[١٠]، وَصَدَقَتْ وَبَرَّتْ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ»[١١]، وَأَجَابَ الْخَوَارِجُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَخَالَفُوا سُلْطَانَهُ، فَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا.
الشاهد ٦
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ؛ وَحَدَّثَنَا الْخَطَّابُ بْنُ سَعْدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ؛ وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخُشُبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا قَالَ: «السُّلْطَانَ»، وَلَمْ يَقُلْ: «سُلْطَانَ اللَّهِ»، وَالسُّلْطَانُ أَعَمُّ مِنْ سُلْطَانِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ قَدْ يُفَارِقُ الْكِتَابَ، وَسُلْطَانُ اللَّهِ لَا يُفَارِقُ الْكِتَابَ، وَمَا أَهْلَكَ أَهْلَ الْحَدِيثِ إِلَّا جَهْلُهُمْ بِهَذَا، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَمَا أَمَرَهُمْ إِلَّا بِطَاعَةِ سُلْطَانِ اللَّهِ، وَلَيْسَ كُلُّ سُلْطَانٍ سُلْطَانَ اللَّهِ، وَمَا جَهْلُهُمْ بِهَذَا إِلَّا كَجَهْلِ امْرَأَةٍ مُوَسْوَسَةٍ جَاءَتْ إِلَى طَاغِيَةٍ مِنْ بَنِي عَبَّاسٍ، فَقَالَتْ لَهُ: «بِأَبِي أَنْتُمْ، مَا أَكْثَرَ ظُلْمَ النَّاسِ لَكُمْ!» قَالَ: «فِيمَ ذَاكَ؟!» قَالَتْ: «يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ مِنْكُمْ ظَلَمَةٌ، وَلَوْ كَانُوا كَذَلِكَ مَا وَلَّاهُمُ اللَّهُ خِلَافَتَهُ! أَلَيْسَ يَقُولُ: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[١٣]؟ فَلَوْ كَانُوا ظَلَمَةً لَمْ يَنَلْهُمْ عَهْدُهُ!»[١٤] وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْغَبِيَّةُ فِي خَبْطِهَا بِأَجْهَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْعِلْمِ، وَلَوْ رَجَعُوا إِلَى الْعُلَمَاءِ لَبَيَّنُوا لَهُمْ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾[١٥]، وَقَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ آتَى اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ الْمُلْكَ؟!» فَقَالَ: «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ آتَانَا الْمُلْكَ، وَأَخَذَهُ بَنُو أُمَيَّةَ، بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الثَّوْبُ، فَيَأْخُذُهُ الْآخَرُ، فَلَيْسَ هُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُ»[١٦]!