الحديث ١٩
المراد بأهل الذكر أهل بيت النبيّ، لا أهل الكتاب، ولا سائر الجهّال.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «الْأَمَالِي»[١]، وَ«عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ الْمُؤَدِّبُ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ:
حَضَرَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ مَجْلِسَ الْمَأْمُونِ بِمَرْوَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، فَقَالَ لَهُمْ فِي كَلَامٍ لَهُ: «نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[٣]، فَنَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، فَاسْأَلُونَا إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ! وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟! إِذًا يَدْعُونَنَا إِلَى دِينِهِمْ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ»! فَقَالَ الْمَأْمُونُ: فَهَلْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ شَرْحٌ بِخِلَافِ مَا قَالُوا يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «نَعَمْ، الذِّكْرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَهْلُهُ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ يَقُولُ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ﴾[٤]، فَالذِّكْرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَهْلُهُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا جُزْءٌ مِنْ كِتَابِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ، جَمَعَ فِيهِ كَلَامَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْآلِ وَالْأُمَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ؛ قَالَ النَّجَاشِيُّ [ت٤٥٠هـ]: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ بِهِ»[٥]، وَقَالَ الطُّوسِيُّ [ت٤٦٠هـ]: «أَخْبَرَنَا بِهِ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ»[٦]، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ فِي خِدْمَةِ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ، وَكَانَ يَتَقَلَّبُ فِي أَعْمَالِ الْمَأْمُونِ وَأَمْوَالِهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَ الشِّيعَةِ لَرَأَيْتُ تَرْكَ حَدِيثِهِ أَوْلَى، وَكَانَ الْمَأْمُونُ مِنَ الشِّيعَةِ.
أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الذِّكْرُ، وَأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ سُؤَالَهُمْ، فَثَابِتٌ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا يُقَالُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ بَيْتٍ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ آيَةً لَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا؛ كَمَا قَالَ: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾[٧]، وَقَالَ: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾[٨]، وَقَدْ أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَمْ يُعْرَفْ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ إِلَّا بَعْدَ حِينٍ؛ كَمَا قَالَ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾[٩]، وَقَالَ: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾[١٠]، وَلَا يَزَالُ يُعْرَفُ مِنْهُ أَمْرٌ جَدِيدٌ؛ لَا تُحْصَى فَوَائِدُهُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.
الشاهد ١
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ [ت٢٩٠هـ] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ أَعْمَشَ بْنِ عِيسَى، -وَلَعَلَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى-، عَنْ حَمَّادٍ الطَّيَافِيِّ -وَلَعَلَّهُ حَمَّادٌ الطَّنَافِسِيُّ-، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ لِي: «كَمْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْمٌ فِي الْقُرْآنِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اسْمَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ، فَقَالَ: «يَا كَلْبِيُّ، لَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾[١٢]، ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾[١٣]، ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾[١٤]، وَ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾[١٥]، وَ﴿يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[١٦]، وَ﴿ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾[١٧]، وَ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾[١٨]، وَ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾[١٩]، وَ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا﴾، فَالذِّكْرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، فَاسْأَلْ يَا كَلْبِيُّ عَمَّا بَدَا لَكَ»، قَالَ: فَنَسِيتُ وَاللَّهِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، فَمَا حَفِظْتُ مِنْهُ حَرْفًا أَسْأَلُهُ عَنْهُ!
الشاهد ٢
وَرَوَى الصَّفَّارُ [ت٢٩٠هـ] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»[٢٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، قَالَ: «هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ»، فَذَكَرْنَا لَهُ حَدِيثَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَعَنَهُ وَكَذَّبَهُ.
الشاهد ٣
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٢١]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، قَالَ: «الْكِتَابُ هُوَ الذِّكْرُ، وَأَهْلُهُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِسُؤَالِهِمْ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِسُؤَالِ الْجُهَّالِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الذِّكْرِ أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ يَعْلَمُ كُلَّ مَا يُسْئَلُ عَنْهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ قَوْمًا لَا يَجْهَلُونَ شَيْئًا مِمَّا يُسْئَلُونَ عَنْهُ، وَهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا عِلْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُوتِيَ عِلْمَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كُلِّهِ، فَمَنْ سَأَلَ أَحَدًا غَيْرَهُمْ فَقَدْ سَأَلَ مَنْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، فَعَسَى أَنْ يُضِلَّهُ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ رَحْمَةٍ، اخْتَصَّكُمُ اللَّهُ بِهَا»، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «كَذَلِكَ نَحْنُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا نُدْخِلُ أَحَدًا فِي ضَلَالَةٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ هُدًى، وَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَذْهَبُ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ مِنَّا رَجُلًا يَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يَرَى مُنْكَرًا إِلَّا أَنْكَرَهُ»[٢٢]، أَرَادَ الْمَهْدِيَّ مَتَّعَنَا اللَّهُ بِدَوْلَتِهِ، وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الْأَحْدَاثَ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَأْتُوا الرُّؤَسَاءَ، دَعُوهُمْ حَتَّى يَصِيرُوا أَذْنَابًا، لَا تَتَّخِذُوا الرِّجَالَ وَلَائِجَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِنَّا وَاللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْهُمْ»[٢٣]، وَيَقُولُ: «اطْلُبُوا الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِ الْعِلْمِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْوَلَائِجَ، فَهُمُ الصَّدَّادُونَ عَنِ اللَّهِ»[٢٤]، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: «إِيَّاكُمْ وَالْوَلَائِجَ، فَإِنَّ كُلَّ وَلِيجَةٍ دُونَنَا فَهِيَ طَاغُوتٌ»[٢٥].
الشاهد ٤
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازُ [تبعد٤٠٠هـ] فِي «كِفَايَةِ الْأَثَرِ»[٢٦]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُرْوَةِ بْنِ أُخْتِ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ، عَنْ خَالِهِ شُعَيْبٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ دَخَلَ إِلَيْهِ يُونُسُ بْنُ ظِبْيَانَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَهُ وَجْهٌ كَالْوُجُوهِ، وَبَعْضَهُمْ يَقُولُ: لَهُ يَدَانِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[٢٧]»، فَأَجَابَهُ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا فِيهِ إِنْكَارُ قَوْلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «يَا يُونُسُ، إِذَا أَرَدْتَ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ فَعِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، فَإِنَّا وَرِثْنَا وَأُوتِينَا الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ».
الشاهد ٥
وَرَوَى النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيُّونَ [ت٣٦٣هـ] فِي «دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ»[٢٨]، مُرْسَلًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُمَا ذَكَرَا وَصِيَّةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ وَفَاتِهِ، وَكَانَ مِمَّا ذَكَرَاهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّاسِ: «عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لَا تُعْذَرُونَ فِي تَرْكِ طَاعَتِهِ، وَهِيَ طَاعَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ طَاعَتَنَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَنَظَمَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، مَنًّا مِنَ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ، وَأَوْجَبَ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ وَطَاعَةَ وُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ آلِ رَسُولِهِ، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، وَنَحْنُ وَاللَّهِ أَهْلُ الذِّكْرِ، لَا يَدَّعِي ذَلِكَ غَيْرُنَا إِلَّا كَاذِبًا، يُصَدِّقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾[٢٩]، ثُمَّ قَالَ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، فَنَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، فَاقْبَلُوا أَمْرَنَا، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَيْنَا، وَنَحْنُ الْأَبْوَابُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْهَا، فَنَحْنُ وَاللَّهِ أَبْوَابُ تِلْكَ الْبُيُوتِ، لَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِنَا، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ سِوَانَا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْقَوْلُ بِهَذَا مَشْهُورٌ عَنْ عَلِيٍّ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠هـ] وَالثَّعْلَبِيُّ [ت٤٢٧هـ] فِي «تَفْسِيرَيْهِمَا» عَنْ جَابِرٍ[٣٠]، وَكَانَ جَابِرٌ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[٣١]، وَرَوَاهُ الْحَسْكَانِيُّ [تنحو٤٨٠هـ] فِي «شَوَاهِدِ التَّنْزِيلِ»[٣٢]، بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ [تبعد٣٢٨هـ] فِيمَا نُقِلَ مِنْ «تَفْسِيرِهِ»[٣٣]، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ.