الحديث ٣٢
«مِثَالٌ لِلتَّعَنُّتِ، وَهُوَ اسْتِزْلَالُ الْمَسْؤُولِ»
رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ [ت٥٧١هـ] فِي «تَارِيخِ دِمَشْقَ»[١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْحَدِيدِ -يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ-، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ-، أَخْبَرَنَا أَبُو الدَّحْدَاحِ -يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيَّ-، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ -يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيَّ- أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ:
سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا: مَا ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾[٢]؟ قَالَ: «الرِّيحُ»، قَالَ: فَمَا ﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾[٣]؟ قَالَ: «السَّحَابُ»، قَالَ: فَمَا ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾[٤]؟ قَالَ: «السُّفُنُ»، قَالَ: فَمَا ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾[٥]؟ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ»، قَالَ: فَمَا هَذِهِ اللَّطْخَةُ فِي الْقَمَرِ؟ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾[٦]، يَا ابْنَ الْكَوَّاءِ، أَمَا وَاللَّهِ مَا الْعِلْمَ أَرَدْتَ، وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ الْعَنَتَ، فَكَيْفَ بِقَوْلِكَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ لَوْ تَعَنَّتُّ؟! يَا ابْنَ الْكَوَّاءِ، مَنْ رَبُّ النَّاسِ؟» قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: «فَمَنْ مَوْلَى النَّاسِ؟» قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: «كَذَبْتَ، اللَّهُ ﴿مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾[٧]».
الشاهد ١
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ [ت٦٤٣هـ] فِي «الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ»[٨]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْبَقَاءِ الْعَاقُولِيُّ، أَنَّ أَبَا مَنْصُورٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ أَخْبَرَهُمْ -قِرَاءَةً عَلَيْهِ-، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ -هُوَ الْبَغَوِيُّ-، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ» -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: سُؤَالُ عَلِيٍّ عَنْ رَبِّ النَّاسِ وَمَوْلَاهُمْ مِثَالٌ لِلتَّعَنُّتِ، وَهُوَ اسْتِزْلَالُ الْمَسْؤُولِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ[٩]، وَهِيَ مَا يُغَالَطُ بِهِ مِنَ الْأَسْئِلَةِ.
الشاهد ٢
وَرَوَى مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ [ت٣٤٥هـ] فِي «فَوَائِدِهِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجَرِيرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الرَّحْبَةِ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ»، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّاءِ الْيَشْكُرِيُّ: مَا ﴿الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾؟ قَالَ: «الرِّيحُ»، قَالَ: فَمَا ﴿الْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾؟ قَالَ: «السَّحَابُ»، قَالَ: فَمَا ﴿الْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾؟ قَالَ: «السُّفُنُ»، قَالَ: فَمَا ﴿الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾؟ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ»، قَالَ: مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَلَكِنَّهُ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى ثُكْنَاتِهِمْ، يُصَلُّونَ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ»، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الثُّكْنَةُ؟» قَالُوا: الْعِبَادَةُ، قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهَا الرَّايَةُ»، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ؟ فَقَالَ لَهُ: «قَاتَلَكَ اللَّهُ، يَا ابْنَ الْكَوَّاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾، فَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي مُحِيَتْ.