الحديث ١٥
يكون بعد النبيّ حواريّون يهدون بهديه ويستنّون بسنّته.
رَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، وَأَبُو عَوَانَةَ [ت٣١٦هـ] فِي «مُسْتَخْرَجِهِ»[٢]، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ فُضَيْلٍ الْخَطْمِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ بِهَدْيِهِ وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَعْمَلُونَ مَا يُنْكِرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ [ت٣٥٤هـ] فِي بَابِ «الْبَيَانِ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانَ لَهُمْ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ بِهَدْيِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ»[٣]، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ، فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَنَزَلَ بِقَنَاةَ[٤]، فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ»[٥]، وَرَوَى بَعْضَهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ: «فَحِينَ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْهُ انْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ هَذَا؟! كَالْمُدْخِلِ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ: هُوَ مَرِيضٌ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَعُودَهُ؟ قَالَ: فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَكْوَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُقَلِّبُ كَفَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: مَا كَانَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٦]، وَإِنَّمَا كَبُرَ الْحَدِيثُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِأَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَتَرْكَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، كَمَا يَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ، كَمَا رَأَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَالْمُرَادُ بِحَوَارِيِّي النَّبِيِّ أَوْصِيَاؤُهُ، وَقِيلَ: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَهُ»، قَالَهُ قَتَادَةُ [ت١١٧هـ][٧]، وَقِيلَ: «صَفْوَتُهُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ»، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ [ت٢٠٩هـ][٨]، وَهُمَا فِي مَعْنَى قَوْلِنَا؛ لِأَنَّ أَوْصِيَاءَ النَّبِيِّ هُمُ الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَاصْطَفَاهُمْ، وَقِيلَ: «أَصْحَابُهُ»، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ كَانَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْحَابٌ كَثِيرُونَ، وَمَا سُمِّيَ بِحَوَارِيِّيهِ إِلَّا الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ وَأَوْصَى إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَذَلِكَ حَوَارِيُّو مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
شاهد
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا لَهُ حَوَارِيُّونَ»، فَذَكَرَ الْخُلَفَاءَ.