الحديث ٦
تحريم استقالة الإمام بيعته
رَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ؛ وَرَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى؛ جَمِيعًا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
إِنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابَهُ وَعَكٌ[٣] بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي»، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: «أَقِلْنِي بَيْعَتِي»، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: «أَقِلْنِي بَيْعَتِي»، فَأَبَى، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ[٤]، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ[٥] طِيبُهَا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَةَ الْإِمَامِ مَاضِيَةٌ، لَا تُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا وَلَا تُسْتَقَالُ، وَمَنِ اسْتَقَالَهَا فَقَدْ خَبُثَ، وَالْخَبِيثُ لَا يُجَاوِرُ الْإِمَامَ إِلَّا قَلِيلًا؛ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾[٦].
الشاهد ١
وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ [ت٤١٠هـ] فِي الْمَحْكِيِّ مِنْ «تَفْسِيرِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَذَهَبَ مَالُهُ وَوَلَدُهُ، فَتَشَاءَمَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «أَقِلْنِي»، فَقَالَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُقَالُ»، فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أُصِبْ مِنْ هَذَا الدِّينِ خَيْرًا، ذَهَبَ بَصَرِي وَمَالِي وَوَلَدِي»، فَقَالَ: «يَا يَهُودِيُّ، الْإِسْلَامُ يَسْبُكُ الرِّجَالَ، كَمَا يَسْبُكُ النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ»، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾[٨].
الشاهد ٢
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ»، قَالَ: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ»، قَالُوا: «فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَاذَا لَنَا؟» قَالَ: «الْجَنَّةُ»، قَالُوا: «رَبِحَ الْبَيْعُ، لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ»، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[١٠].