الحديث ١٩
«لَا دِينَ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنَ اللَّهِ»
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ [ت٢٧٤هـ] فِي «الْمَحَاسِنِ»[١]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ؛ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٢]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى؛ جَمِيعًا عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ:
«كُلُّ مَنْ دَانَ اللَّهَ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَلَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَاللَّهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ، وَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَقَطِيعِهَا، فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وَجَائِيَةً يَوْمَهَا، فَلَمَّا جَنَّهَا اللَّيْلُ بَصُرَتْ بِقَطِيعِ غَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَاغْتَرَّتْ بِهَا، فَبَاتَتْ مَعَهَا فِي مَرْبِضِهَا، فَلَمَّا أَنْ سَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَقَطِيعَهَا، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَقَطِيعَهَا، فَبَصُرَتْ بِغَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَاغْتَرَّتْ بِهَا، فَصَاحَ بِهَا الرَّاعِي: الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَقَطِيعِكِ، فَإِنَّكِ تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكِ وَقَطِيعِكِ! فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً تَائِهَةً، لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلَى مَرْعَاهَا أَوْ يَرُدُّهَا إِلَى مَرْبِضِهَا، فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا فَأَكَلَهَا، وَكَذَلِكَ وَاللَّهِ -يَا مُحَمَّدُ- مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ أَصْبَحَ ضَالًّا تَائِهًا، وَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ، وَاعْلَمْ -يَا مُحَمَّدُ- أَنَّ أَئِمَّةَ الْحَقِّ وَأَتْبَاعَهُمْ هُمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ، وَأَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وَأَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، قَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا، فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ۚ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾[٣]».
الشاهد ١
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّعْمَانِيُّ [تنحو٣٦٠هـ] فِي «الْغَيْبَةِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَشْعَرِيُّ، وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطْوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ؛ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ؛ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِثْلِهِ سَوَاءً.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ الْأَسَانِيدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا دِينَ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُعْبَدَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ؛ فَمَنْ عَبَدَهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَجُلٍ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَدْعُو اللَّهَ، فَانْطَلَقَ مُوسَى فِي حَاجَتِهِ، فَبَاتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا عَبْدُكَ رَافِعٌ يَدَيْهِ إِلَيْكَ يَسْأَلُكَ حَاجَتَهُ وَيَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، لَا تَسْتَجِيبُ لَهُ! فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، لَوْ دَعَانِي حَتَّى يَسْقُطَ يَدَاهُ أَوْ يَنْقَطِعَ لِسَانُهُ مَا اسْتَجَبْتُ لَهُ، حَتَّى يَأْتِيَنِي مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَمَرْتُهُ»[٥]، وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إِنَّ حِبْرًا مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدَ اللَّهَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْخِلَالِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّ زَمَانِهِ: قُلْ لَهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَجَبَرُوتِي، لَوْ أَنَّكَ عَبَدْتَنِي حَتَّى تَذُوبَ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ فِي الْقِدْرِ مَا قَبِلْتُ مِنْكَ، حَتَّى تَأْتِيَنِي مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَمَرْتُكَ»[٦]، وَهَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾[٧]، وَبَابُ الدِّينِ مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ الَّذِي يُعَلِّمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِإِذْنِ اللَّهِ.
الشاهد ٢
كَمَا رَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ؛ وَحَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ؛ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَرَأَيْتُ مَوْلًى لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ لِأَسْأَلَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاجِدًا، فَانْتَظَرْتُهُ طَوِيلًا، فَطَالَ سُجُودُهُ عَلَيَّ، فَقُمْتُ وَصَلَّيْتُ رَكَعَاتٍ، وَانْصَرَفْتُ وَهُوَ بَعْدُ سَاجِدٌ، فَسَأَلْتُ مَوْلَاهُ: مَتَى سَجَدَ؟ فَقَالَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامِي رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ مِنِّي»، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَمِعَ صَوْتًا خَلْفَهُ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ الْمُرْتَفِعَةُ؟» فَقُلْتُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَنِي، فَقُمْ بِنَا»، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا أَنْ رَأَوْهُ نَهَضُوا نَحْوَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «كُفُّوا أَنْفُسَكُمْ عَنِّي، وَلَا تُؤْذُونِي وَتَعْرِضُونِي لِلسُّلْطَانِ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمُفْتٍ لَكُمْ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَتَرَكَهُمْ وَمَضَى، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ لِي: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ إِبْلِيسَ سَجَدَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّكَبُّرِ عُمُرَ الدُّنْيَا مَا نَفَعَهُ ذَلِكَ وَلَا قَبِلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، مَا لَمْ يَسْجُدْ لِآِدَمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْعَاصِيَةُ الْمَفْتُونَةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ تَرْكِهِمُ الْإِمَامَ الَّذِي نَصَبَهُ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ، فَلَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ عَمَلًا، وَلَنْ يَرْفَعَ لَهُمْ حَسَنَةً، حَتَّى يَأْتُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ، وَيَتَوَلَّوُا الْإِمَامَ الَّذِي أُمِرُوا بِوَلَايَتِهِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ لَهُمْ».
الشاهد ٣
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّعْمَانِيُّ [تنحو٣٦٠هـ] فِي «الْغَيْبَةِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ؛ وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ؛ جَمِيعًا عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ عَالِمٍ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللَّهُ الْبَتَّةَ إِلَى الْعَنَاءِ، وَمَنِ ادَّعَى سَمَاعًا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ».