الحديث ٨
إنّ الأمّة لا تخلو من قائم على الحقّ.
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ [ت٢٩٢هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَفْطَسُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُوهِيَ بِالْخَيْلِ وَأُلْقِيَ السِّلَاحُ وَزَعَمُوا أَنْ لَا قِتَالَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبُوا، الْآنَ حَانَ الْقِتَالُ، لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرَةٌ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَنْفَرِدْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ بِرِوَايَتِهِ عَنِ الْأَفْطَسِ، بَلْ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدِ الْأَفْطَسُ بِرِوَايَتِهِ عَنِ الْوَلِيدِ، بَلْ تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَلَمْ يَنْفَرِدِ الْوَلِيدُ بِرِوَايَتِهِ عَنْ جُبَيْرِ، بَلْ تَابَعَهُ نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ أَنَّ جُبَيْرًا لَمْ يَنْفَرِدْ بِرِوَايَتِهِ عَنْ سَلَمَةَ، بَلْ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ عِنْدِي، وَفِي رِوَايَاتِهِمْ زِيَادَةٌ، وَهِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُزِيغُ اللَّهُ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ»[٢]، وَفِي رِوَايَاتِهِمُ اضْطِرَابٌ، فَأَحْيَانًا رَوَوْا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ: «دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَادَتْ رُكْبَتَايَ تَمَسَّانِ فَخِذَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُهِيَ بِالْخَيْلِ وَأُلْقِيَ السِّلَاحُ وَزَعَمُوا أَنْ لَا قِتَالَ»، وَأَحْيَانًا رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذَالَ النَّاسُ الْخَيْلَ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، وَقَالُوا: لَا جِهَادَ، قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا»، فَالْقَائِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى سَلَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ رَجُلٌ آخَرُ، وَقَدْ رَوَوُا الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَنْ رَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ، وَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيُّ[٣]، وَالنَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ[٤]، وَهَذَا اضْطِرَابٌ أَكْبَرُ، وَأَصَحُّ رِوَايَاتِهِمْ عِنْدِي مَا رَوَوْا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ»، وَأَمَّا رِوَايَتُهُمُ الَّتِي فِيهَا: «دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَادَتْ رُكْبَتَايَ تَمَسَّانِ فَخِذَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ، وَلَيْسَتْ رِوَايَةَ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ، وَإِنَّمَا صَحَّفُوهَا لِظَنِّهِمْ أَنَّهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالرِّجَالِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُفَيْلٍ فِي عِدَادِ الصَّحَابَةِ[٥]، وَسَاقُوا لَهُ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ[٦]، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ أَخَا سَلَمَةَ، وَكَانَ الْقَائِلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ، إِلَّا أَنَّهُ مِنَ الْبَعِيدِ إِشَارَةُ سَلَمَةَ إِلَى أَخِيهِ بِهَذَا السِّيَاقِ، كَأَنَّهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ؛ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخَاهُ، وَالْمُؤَيِّدُ لِذَلِكَ وُجُودُ الْإِخْتِلَافِ فِي اسْمِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ؛ فَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُغَيْلٍ الْكِنَانِيُّ»[٧]، وَهَذَا أَنْسَبُ بِالسِّيَاقِ، وَظَنِّي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَالنَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ قَدْ دَخَلَا مَعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ، ثُمَّ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَرَوَى عَنْهُمَا سَلَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ، فَاخْتَلَطَتْ رِوَايَاتُهُمْ، وَهَذَا مِثَالٌ جَيِّدٌ عَلَى مَا يُوجَدُ فِي رِوَايَاتِ الْآحَادِ مِنَ الْإِشْتِبَاهِ، وَهُوَ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِعْتِمَادَ عَلَى أَلْفَاظِهَا، ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾[٨]!