الخميس ١٧ رمضان ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٨ مارس/ آذار ٢٠٢٤ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الأسئلة والأجوبة: اختلف المسلمون في تعيين ليلة القدر، فأيّ ليلة هي عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢١. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
درس
 
دروس من جنابه في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.
ما صحّ عن أهل البيت في ذلك

الحديث ٣٥

«إِنَّمَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ»

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «عِلَلِ الشَّرَائِعِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

«إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا بِيَدِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ الْجِنِّ وَالنَّسْنَاسِ فِي الْأَرْضِ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ، قَالَ: وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي أَرَادَ مِنَ التَّدْبِيرِ وَالتَّقْدِيرِ لِمَا هُوَ مُكَوِّنُهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعِلْمِهِ لِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، كَشَطَ عَنْ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: انْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِي مِنَ الْجِنِّ وَالنَّسْنَاسِ! فَلَمَّا رَأَوْا مَا يَعْمَلُونَ فِيهَا مِنَ الْمَعَاصِي وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَغَضِبُوا لِلَّهِ وَأَسِفُوا عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَمْلِكُوا غَضَبَهُمْ أَنْ قَالُوا: يَا رَبِّ! أَنْتَ الْعَزِيزُ الْقَادِرُ الْجَبَّارُ الْقَاهِرُ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ، وَهَذَا خَلْقُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ فِي أَرْضِكَ، يَتَقَلَّبُونَ فِي قَبْضَتِكَ، وَيَعِيشُونَ بِرِزْقِكَ، وَيَسْتَمْتِعُونَ بِعَافِيَتِكَ، وَهُمْ يَعْصُونَكَ بِمِثْلِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، لَا تَأْسَفُ وَلَا تَغْضَبُ وَلَا تَنْتَقِمُ لِنَفْسِكَ لِمَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَرَى، وَقَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَأَكْبَرْنَاهُ فِيكَ! فَلَمَّا سَمِعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[٢] لِي عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ حُجَّةً لِي عَلَيْهِمْ فِي أَرْضِي عَلَى خَلْقِي، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: سُبْحَانَكَ ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[٣]، وَقَالُوا: فَاجْعَلْهُ مِنَّا فَإِنَّا لَا نُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَلَا نَسْفِكُ الدِّمَاءَ. قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: يَا مَلَائِكَتِي! ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[٤]، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُقَ خَلْقًا بِيَدِي، أَجْعَلُ ذُرِّيَّتَهُ أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَعِبَادًا صَالِحِينَ وَأَئِمَّةً مُهْتَدِينَ، أَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي عَلَى خَلْقِي فِي أَرْضِي، يَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْمَعَاصِي وَيُنْذِرُونَهُمْ عَذَابِي وَيَهْدُونَهُمْ إِلَى طَاعَتِي وَيَسْلُكُونَ بِهِمْ طَرِيقَ سَبِيلِي وَأَجْعَلُهُمْ حُجَّةً لِي، عُذْرًا أَوْ نُذْرًا، وَأُبِينُ النَّسْنَاسَ مِنْ أَرْضِي فَأُطَهِّرُهَا مِنْهُمْ، وَأَنْقُلُ مَرَدَةَ الْجِنِّ الْعُصَاةَ عَنْ بَرِيَّتِي وَخَلْقِي وَخِيَرَتِي، وَأُسْكِنُهُمْ فِي الْهَوَاءِ وَفِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، لَا يُجَاوِرُونَ نَسْلَ خَلْقِي وَأَجْعَلُ بَيْنَ الْجِنِّ وَبَيْنَ خَلْقِي حِجَابًا، وَلَا يَرَى نَسْلُ خَلْقِيَ الْجِنَّ، وَلَا يُؤَانِسُونَهُمْ وَلَا يُخَالِطُونَهُمْ وَلَا يُجَالِسُونَهُمْ، فَمَنْ عَصَانِي مِنْ نَسْلِ خَلْقِيَ الَّذِينَ اصْطَفَيْتُهُمْ لِنَفْسِي، أَسْكَنْتُهُمْ مَسَاكِنَ الْعُصَاةِ وَأَوْرَدْتُهُمْ مَوَارِدَهُمْ وَلَا أُبَالِي. فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا! افْعَلْ مَا شِئْتَ، ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[٥]» -ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنِي جَابِرٌ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَجُلٌ مِنَ الشِّيعَةِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ سَائِرُ النَّاسِ، وَالْمُعْتَمَدُ حَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِحَالِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَائِرِ النَّاسِ إِذَا خَالَفَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقَدْ يَقُولُونَ فِيهِ شَنَآنًا لِمَذْهَبِهِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ: «أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟» فَقَالُوا: «خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا»، فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَوَقَعُوا فِيهِ وَقَالُوا: «شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا»، فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوهُ فِي الْمَذْهَبِ[٦]، وَلَوْ قُبِلَ قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ يُسِيئُونَ الْقَوْلَ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَا تَرَى الشِّيعَةَ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَرْوِيهِ السُّنَّةُ إِلَّا مَا يَتَّخِذُونَهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَتَرَى السُّنَّةَ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا يَرْوِيهِ الشِّيعَةُ إِلَّا تَعَجُّبًا وَاسْتِهْزَاءً، وَكِلَاهُمَا قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِكُلِّ مَا يَرْوِيهِ الْمُسْلِمُونَ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ دُونَ تَعَصُّبٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ، وَكَانَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ مِنْ ثِقَاتِ الشِّيعَةِ، وَكَانَ لَا يَكْتُمُ مَذْهَبَهُ، فَتَرَكَ الْجُمْهُورُ حَدِيثَهُ لِمَذْهَبِهِ؛ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «إِنَّمَا تَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَ جَابِرٍ لِسُوءِ رَأْيِهِ»[٧]، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ شِهَابٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: «تَرَكْتُ جَابِرَ الْجُعْفِيَّ وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ، قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا يُعَلِّمُهُ مَا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ دَعَا عَلِيٌّ الْحَسَنَ فَعَلَّمَهُ مَا يَعْلَمُ، ثُمَّ دَعَا الْحَسَنُ الْحُسَيْنَ فَعَلَّمَهُ مَا يَعْلَمُ، حَتَّى بَلَغَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَتَرَكْتُهُ لِذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ»[٨]، وَمَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَظْهَرَ، فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا أَظْهَرَ؟ قَالَ: الْإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ»[٩]؛ كَمَا تَرَكَهُ جَرِيرٌ، فَقَالَ: «لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ»[١٠]، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: «لِجَابِرٍ حَدِيثٌ صَالِحٌ، وَقَدِ احْتَمَلَهُ النَّاسُ وَرَوَوْا عَنْهُ، وَعَامَّةُ مَا قَذَفُوهُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ»[١١]، وَوَثَّقَهُ قَوْمٌ مِنْ ثِقَاتِ النَّاسِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: «كَانَ جَابِرٌ وَرِعًا فِي الْحَدِيثِ، مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُ»[١٢]، وَقَالَ وَكِيعٌ: «مَا شَكَكْتُمْ فِي شَيْءٍ فَلَا تَشُكُّوا أَنَّ جَابِرًا ثِقَةٌ»[١٣]، وَكَانَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ يُسَمِّيهِ «الْعَدْلَ الرِّضَى»[١٤]، وَقَالَ فِيهِ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَلَى تَشَدُّدِهِ: «صَدُوقٌ فِي الْحَدِيثِ»، وَكَانَ يَقُولُ: «لَا تَنْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَجَانِينِ الَّذِينَ يَقَعُونَ فِي جَابِرٍ»[١٥]، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ أَبِي الْمِقْدَامِ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: «سَأَلْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ قُلْتُ: عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَهُ؟ قَالَ: كَانَ يَشْتُمُ السَّلَفَ، فَلِذَلِكَ تَرَكْتُ حَدِيثَهُ»[١٦]، وَقَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ: «رَافِضِيٌّ رَجُلُ سُوءٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ صَدُوقًا فِي الْحَدِيثِ»[١٧]، وَلَعَلَّكَ إِنْ سَأَلْتَ عَمْرَو بْنَ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ لَقَالَ فِيهِ: «نَاصِبِيٌّ رَجُلُ سُوءٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ صَدُوقًا فِي الْحَدِيثِ»!

ثُمَّ قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا «النَّسْنَاسُ» فَكَانَ خَلْقًا يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْإِنْسَانَ، ثُمَّ أَهْلَكَهُ لَمَّا كَفَرَ وَظَلَمَ، وَقَدْ يَزْعُمُ الْكُفَّارُ أَنَّهُ كَانَ أَبًا لِآدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ لِآدَمَ أَبٌ، ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ[١٨]، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فَهُوَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ الْقَوْمَ لَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ!

الشاهد ١

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ -يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَلَا تَدُلُّنِي إِلَى مَنْ آخُذُ عَنْهُ دِينِي؟ فَقَالَ: «هَذَا ابْنِي عَلِيٌّ -يَعْنِي الرِّضَا-، إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: <يَا بُنَيَّ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا قَالَ قَوْلًا وَفَى بِهِ>».

الشاهد ٢

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٢٠]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ الْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «الْأَئِمَّةُ خُلَفَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَرْضِهِ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ «خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذِهِ نِسْبَةٌ صَحِيحَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: «رُوحُ اللَّهِ» وَ«بَيْتُ اللَّهِ» وَ«أَرْضُ اللَّهِ»، وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُهَا عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ[٢١]، وَثَبَتَ إِطْلَاقُهَا عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي حَدِيثِ «الرَّايَاتِ»[٢٢]، وَلَكِنَّ الْجُهَّالَ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نِسْبَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ جَهْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ الرَّايَاتِ إِلَّا جُزْءًا مِنْهُ يَذْكُرُ «خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ»، وَقَدْ بَالَغَ أَجْهَلُهُمْ فِي مَنْعِهَا حَتَّى نَسَبَ قَائِلَهَا إِلَى الْفُجُورِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ إِلَّا مَنْ يَغِيبُ أَوْ يَمُوتُ، وَاللَّهُ لَا يَغِيبُ وَلَا يَمُوتُ، وَبِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ»[٢٣]، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَلِيفَةِ إِلَى اللَّهِ هِيَ نِسْبَةُ تَمْلِيكٍ وَتَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رُوحِي[٢٤] وَ﴿بَيْتِي[٢٥] وَ﴿أَرْضِي[٢٦]، وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَذَا فَهُوَ مِنَ الْعِلْمِ بَعِيدٌ كَبُعْدِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةَ اللَّهِ؛ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «خَالَفَ اللَّهُ بِكَ!» فَقَالَ الرَّجُلُ: «جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ!» فَقَالَ عُمَرُ: «إِذًا يُهِينُكَ اللَّهُ!»[٢٧] وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْهُ خَلِيفَةً، وَلَكِنْ جَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بِرَأْيٍ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ بِـ«خَلِيفَةِ اللَّهِ»، وَمَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا نَادَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: «يَا خَلِيفَة اللَّهِ فِي الْأَرْضِ!» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «مَهْ! إِنِّي لَمَّا وُلِدْتُ اخْتَارَ لِي أَهْلِي اسْمًا فَسَمَّوْنِي عُمَرَ، فَلَوْ نَادَيْتَنِي يَا عُمَرُ أَجَبْتُكَ، فَلَمَّا كَبُرْتُ اخْتَرْتُ لِنَفْسِي الْكُنَى، فَكَنَّيْتُ بِأَبِي حَفْصٍ، فَلَوْ نَادَيْتَنِي يَا أَبَا حَفْصٍ أَجَبْتُكَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُمُونِي أُمُورَكُمْ سَمَّيْتُمُونِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ نَادَيْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ أَجَبْتُكَ، وَأَمَّا خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَلَسْتُ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ خُلَفَاءَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَشِبْهُهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ[٢٨]»[٢٩]، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقِيهَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلَا: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[٣٠] يَقُولُ: «هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ، هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ، هَذَا خِيرَةُ اللَّهِ، هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ، أَجَابَ اللَّهَ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ اللَّهَ فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِرَبِّهِ، فَهَذَا خَلِيفَةُ اللَّهِ»، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلْمَهْدِيِّ «خَلِيفَةَ اللَّهِ» لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى مِثَالِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَرَدَ إِطْلَاقُهَا عَلَى إِمَامِ الْهُدَى فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ:

الشاهد ٣

رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي «مُسْنَدِهِ»[٣١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ صَخْرًا يُحَدِّثُ، عَنْ سُبَيْعٍ، قَالَ: أَرْسَلُونِي مِنْ مَاهَ إِلَى الْكُوفَةِ أَشْتَرِي الدَّوَابَّ، فَأَتَيْنَا الْكُنَاسَةَ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ جَمْعٌ، قَالَ: فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْطَلَقَ إِلَى الدَّوَابِّ وَأَمَّا أَنَا فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا هُوَ حُذَيْفَةُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْخَيْرِ وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْهُ؟ قَالَ: «السَّيْفُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ تَكُونُ دُعَاةُ الضَّلَالَةِ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَالْزَمْهُ، وَإِنْ نَهَكَ جِسْمَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَاهْرَبْ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ» -الْحَدِيثُ.

الشاهد ٤

وَثَبَتَ عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ[٣٢] أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ: «اللَّهُمَّ بَلَى، لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِرًا مَشْهُورًا، وَإِمَّا خَائِفًا مَغْمُورًا، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ، وَكَمْ ذَا؟ وَأَيْنَ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ وَاللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَدًا، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا، يَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى. أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ».

الشاهد ٥

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٣٣]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ[٣٤]، قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَرَادَ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُمْ خَيْرُ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ؛ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً فِيهَا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِلَّا وَعَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا»[٣٥]، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: «لَمْ نَكْتُبْهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالنَّاسُ رَوَوْهُ مَوْقُوفًا»[٣٦]، وَيُؤَيِّدُ هَذَا:

مَا رَوَاهُ فُرَاتُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ»[٣٧]، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَوَيْهِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ».

وَمَا رَوَاهُ فُرَاتُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ»[٣٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «هِيَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ».

وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ الرَّازِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ»[٣٩]، قَالَ: ذُكِرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، أَنْبَأَ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ قَالَ: «أَهْلُ بَيْتٍ هَاهُنَا»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَانَ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ [ت١١١هـ] رَجُلًا مِنَ الشِّيعَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَالْعَجَبُ مِنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ إِذْ لَمْ يَفْقَهْ مَا قَالَ الرَّجُلُ، وَالْفِقْهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُهُ مَنْ يَشَاءُ؛ كَمَا آتَاهُ ابْنَ شَهْرآشُوبَ [ت٥٨٨هـ] إِذْ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلُهُ: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا[٤٠]، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ خُلَفَائِنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُمْ بِهِمْ بِكَافِ التَّشْبِيهِ وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ النُّقَبَاءَ هُمُ الْخُلَفَاءُ»[٤١].

↑[١] . علل الشرائع لابن بابويه، ج١، ص١٠٤ و١٠٥
↑[٢] . البقرة/ ٣٠
↑[٣] . البقرة/ ٣٠
↑[٤] . البقرة/ ٣٠
↑[٥] . البقرة/ ٣٢
↑[٦] . لهذا الحديث، انظر: مسند أحمد، ج١٩، ص١١٤؛ المنتخب من مسند عبد بن حميد، ص٤٠٨؛ صحيح البخاري، ج٤، ص١٣٢؛ مسند البزار، ج١٣، ص٣٤٥؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٨، ص٢٢٠؛ مسند أبي يعلى، ج٦، ص١٣٩؛ المجالسة وجواهر العلم للدينوري، ج٣، ص٩٩؛ صحيح ابن حبان، ج٤، ص٤٥٥؛ الأحاديث الطوال للطبراني، ص٢٠٥؛ فوائد تمام، ج١، ص١٠١؛ دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ص٣٣٢؛ دلائل النبوة للبيهقي، ج٢، ص٥٢٨.
↑[٧] . الجامع لعلوم أحمد، ج١٦، ص٣٦٢؛ المعرفة والتاريخ للفسوي، ج٢، ص١٦٤
↑[٨] . الكامل لابن عدي، ج٢، ص٣٢٩؛ ميزان الإعتدال في نقد الرجال للذهبي، ج١، ص٣٨١
↑[٩] . صحيح مسلم، ج١، ص١٥؛ المعرفة والتاريخ للفسوي، ج٢، ص٧١٦؛ الضعفاء الكبير للعقيلي، ج١، ص١٩٤
↑[١٠] . صحيح مسلم، ج١، ص١٥؛ الكامل لابن عدي، ج٢، ص٣٣١
↑[١١] . الكامل لابن عدي، ج٢، ص٣٣٦
↑[١٢] . الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ج١، ص٧٤؛ رجال الكشي، ج٢، ص٤٤٦؛ الكامل لابن عدي، ج٢، ص٣٣٢؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزّي، ج٤، ص٤٦٧؛ تاريخ الإسلام للذهبي، ج٨، ص٥٩
↑[١٣] . الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ج١، ص٢٢٥؛ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر، ج٢٣، ص١٢٤؛ تاريخ الإسلام للذهبي، ج٨، ص٥٩
↑[١٤] . العلل ومعرفة الرجال لأحمد، ج٢، ص٤٣٣
↑[١٥] . مسند ابن الجعد، ص٢٩١؛ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ج١، ص١٣٦؛ الكامل لابن عدي، ج٢، ص٣٣٣
↑[١٦] . الضعفاء الكبير للعقيلي، ج٣، ص٢٦١
↑[١٧] . سنن أبي داود، ج١، ص٧٦
↑[١٨] . المائدة/ ١٠٣
↑[١٩] . الكافي للكليني، ج١، ص٣١٢
↑[٢٠] . الكافي للكليني، ج١، ص١٩٣
↑[٢١] . لفظه: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ خَلِيفَةُ اللَّهِ» الحديث.
↑[٢٢] . لفظه: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ».
↑[٢٣] . الأحكام السلطانية للماوردي، ص٣٩
↑[٢٤] . الحجر/ ٢٩
↑[٢٥] . الحجّ/ ٢٦
↑[٢٦] . العنكبوت/ ٥٦
↑[٢٧] . تاريخ الطبري، ج٤، ص٢٠٩؛ السنة لأبي بكر بن الخلال، ج١، ص٢٧٨
↑[٢٨] . ص/ ٢٦
↑[٢٩] . سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم، ص٥٢
↑[٣٠] . فصّلت/ ٣٣
↑[٣١] . مسند أحمد، ج٣٨، ص٤٢١ و٤٢٢
↑[٣٢] . انظر: الدرس ١٣١ من هذا الباب.
↑[٣٣] . الكافي للكليني، ج١، ص١٩٣ و١٩٤
↑[٣٤] . النّور/ ٥٥
↑[٣٥] . فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، ج٢، ص٦٥٤؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج١، ص١٩٦؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١١، ص٢٦٤؛ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج١، ص٦٤؛ الأحاديث المختارة للمقدسي، ج١٢، ص١٧٢؛ الرياض النضرة للمحبّ الطبري، ج٣، ص١٧٩
↑[٣٦] . حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج١، ص٦٤
↑[٣٧] . تفسير فرات الكوفي، ص٢٨٨
↑[٣٨] . تفسير فرات الكوفي، ص٢٨٩
↑[٣٩] . تفسير ابن أبي حاتم، ج٨، ص٢٦٢٨
↑[٤٠] . المائدة/ ١٢
↑[٤١] . متشابه القرآن ومختلفه لابن شهرآشوب، ج٢، ص٥٣؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ج١، ص٢٥٨
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساعد في نشر المعرفة. إنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
يمكنك أيضًا قراءة هذا باللغات التالية:
إذا كنت معتادًا على لغة أخرى، يمكنك ترجمة هذا إليها. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة دروس السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ
الكتاب: تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الثالثة
تاريخ النشر: غرة رجب ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان