الأحد ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ الموافق لـ ٢١ سبتمبر/ ايلول ٢٠٢٥ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «مناهج الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ مجموعة أقوال السيّد العلّامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما هو رأيكم في الخبر الذي رواه الطوسيّ في كتاب «الغيبة» (ص٤٤٧) بإسناده عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم»، يعني المهديّ، ثم قال: «إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه». هل هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «عن حال العراق اليوم» بقلم «منتظر». اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
درس
 
دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره
ما صحّ عن النّبيّ في ذلك

الحديث ٢٨

تحريم التخلّف عن الإمام عند خروجه

رَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ؛ وَرَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ:

لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ، حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا[٣]، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا، وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ[٤]، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: «أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ»، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: «أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ»، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟!» قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ!» فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا»، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ»، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ، وَأَقُولُ: «بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟» وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ»، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ؟! أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟!» فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ!» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ»، فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: «وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، لَقَدْ عَجَزْتَ أَلَّا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ؟! قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَكَ»، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: «هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟» قَالُوا: «نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ»، فَقُلْتُ: «مَنْ هُمَا؟» قَالُوا: «مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ»، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: «هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟!» ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: «يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟» فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: «مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟» فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ»، فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: «وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ!»، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ، فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ»، فَقُلْتُ: «أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟» قَالَ: «لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا»، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: «الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ»، قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟» قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ»، قَالَتْ: «إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا»، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: «لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ»، فَقُلْتُ: «وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ»، فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ»، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: «لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ»، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»، قَالَ: قُلْتُ: «أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟» قَالَ: «لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: «فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ»، قَالَ: فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي اللَّهُ بِهِ، وَاللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۝ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[٥]، قَالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ، وَقَالَ اللَّهُ: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۝ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[٦].

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عُقَيْلٌ، وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَمَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَ‌مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرْوَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُرَّةَ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، مُخْتَصَرًا، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ، فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْإِمَامِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

الشاهد ١

وَرَوَى الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا[٨]، قَالَ: كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوثِقُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي؟!» قَالُوا: «هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ، تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى تُطَلِقَهُمْ وَتَعْذِرَهُمْ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ، رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ»، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا: «وَنَحْنُ وَاللَّهِ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ الَّذِي يُطْلِقُنَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وَ﴿عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، فَلَمَّا نَزَلَتْ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ.

الشاهد ٢

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ [ت٤٣٠هـ] فِي «مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ سِتَّةٌ: أَبُو لُبَابَةَ، وَأَوْسُ بْنُ خِذَامٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ وَدِيعَةَ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَجَاءَ أَبُو لُبَابَةَ، وَأَوْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، فَرَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، وَجَاءُوا بِأَمْوَالِهِمْ، فَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُذْهَا، هَذَا الَّذِي حَبَسَنَا عَنْكَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحُلُّهُمْ حَتَّى يَكُونَ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ»، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ[١٠]، الْآيَةَ.

الشاهد ٣

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ [ت٣٢٧هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ تَخَلَّفَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَرَبِيعُ بْنُ مُرَارَةَ أَوْ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: أَمَّا أَحَدُهُمْ فَكَانَ لَهُ حَائِطٌ حِينَ زَهَا، قَدْ فَشَتْ فِيهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ، قَالَ: «قَدْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ أَقَمْتُ عَامِي هَذَا فِي هَذَا الْحَائِطِ، فَأَصَبْتُ مِنْهُ»، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ حَائِطَهُ فَقَالَ: «مَا خَلَّفَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَمَا اسْتَبَقَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا ضَنٌّ بِكَ أَيُّهَا الْحَائِطُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ فِي سَبِيلِكَ»، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ قَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ مِنْ أَهْلِهِ نَاسٌ، وَاجْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالَ: «قَدْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَغَزَوْتُ، فَلَوْ أَنِّي أَقَمْتُ الْعَامَ فِي أَهْلِي»، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَالَ: «مَا خَلَّفَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَمَا اسْتَبَقَ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا ضَنٌّ بِكُمْ أَيُّهَا الْأَهْلُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ أَلَّا أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي حَتَّى أَعْلَمَ مَا تَقْضِي فِيَّ»، وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ أَنْ تَقْطَعَ نَفَسِي أَوْ أَلْحَقَ بِالْقَوْمِ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ الْآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ: «يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا أَكَلُوا مَالًا حَرَامًا، وَلَا أَصَابُوا دَمًا حَرَامًا، وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ أَبْطَئُوا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ مِنْهُمْ مَا تَسْمَعُونَ»!

الشاهد ٤

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ [ت٣٢٧هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجُمَاهِرِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، قَالَ: إِنَّهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَاللَّهِ مَا سَفَكُوا دَمًا، وَلَا أَكَلُوا مَالًا، وَلَا أَنْكَرُوا مَعْرِفَةً، وَلَكِنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فَتَابُوا أَحْسَنَ التَّوْبَةِ، وَفَزِعُوا أَحْسَنَ الْفَزَعِ، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوْثَقَ نَفْسَهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أُطْلِقُهَا حَتَّى يُطْلِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ»، وَأَمَّا الْآخَرُ فَعَمَدَ إِلَى حَائِطِهِ الَّذِي تَخَلَّفَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُونَعٌ، فَجَعَلَهُ صَدَقَةً، وَأَمَّا الْآخَرُ فَرَكَتَ الْمَفَاوِزَ وَالْوَقْعَ حَتَّى لَحِقَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَاهُ تَسِيلَانِ دَمًا.

الشاهد ٥

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ [ت٣٢٧هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو زُنَيْجٌ، أَنْبَأَ سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ: «لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ أَشَرُّ مِنَ الْحُمُرِ»! فَرَفَعَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ، فَأَنْكَرَهُ الْجُلَاسُ، وَقَالَ: «بِاللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ عُمَيْرٌ، وَمَا قُلْتُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا[١٤]، فَزَعَمُوا أَنَّهُ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، حَتَّى عُرِفَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ وَالْخَيْرُ.

الشاهد ٦

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ [ت٤٥٨هـ] فِي «دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ»[١٥]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَا كَانَ يَخْرُجُ فِي وَجْهٍ مِنْ مَغَازِيهِ إِلَّا أَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي أُرِيدُ الرُّومَ»، فَأَعْلَمَهُمْ، وَذَلِكَ فِي زَمَانٍ مِنَ الْبَأْسِ، وَشِدَّةٍ مِنَ الْحَرِّ، وَجَدْبٍ مِنَ الْبِلَادِ، وَحِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، وَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمُقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالَهِمْ، وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ عَنْهَا، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي جِهَازِهِ إِذْ قَالَ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ: «يَا جَدُّ، هَلْ لَكَ فِي بَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟!» قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ أَشَدُّ عُجْبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخَافُ إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ يَفْتِنَّنِي، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «قَدْ أَذِنْتُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا[١٦]، يَقُولُ: مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَرَغْبَتِهِ بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَخَافُ مِنْ فِتْنَةِ نِسَاءِ بَنِي الْأَصْفَرِ!

الشاهد ٧

وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَى، قَالَ: فَحَوَّلَ وَجْهَهُ، قَالَ: فَجَاءَنَا فَاعْتَرَفَ مِرَارًا، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، فَرُجِمَ، ثُمَّ أُتِيَ فَأُخْبِرَ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ كُلَّمَا نَفَرْنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمْ عِنْدَهُنَّ، لَهُ نَبِيبٌ[١٨] كَنَبِيبِ التَّيْسِ، يَمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ[١٩]، لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُمْ، لَأَجْعَلَنَّهُمْ نَكَالًا».

الشاهد ٨

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ؛ وَرَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢١]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ؛ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[٢٢].

الشاهد ٩

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً تَقُولُ: نَقْتُلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا[٢٤]، الْآيَةَ.

↑[١] . صحيح البخاري، ج٦، ص٣
↑[٢] . صحيح مسلم، ج٨، ص١٠٥
↑[٣] . أي أظهر أنّه يريد غيرها.
↑[٤] . أي أميل وأرغب.
↑[٥] . التّوبة/ ١١٧-١١٨
↑[٦] . التّوبة/ ٩٥-٩٦
↑[٧] . تفسير الطبري، ج١١، ص٦٥١
↑[٨] . التّوبة/ ١٠٢
↑[٩] . معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني، ج١، ص٣١٢ و٤٩٢
↑[١٠] . التّوبة/ ١٠٣
↑[١١] . تفسير ابن أبي حاتم، ج٦، ص١٩٠٤
↑[١٢] . تفسير ابن أبي حاتم، ج٦، ص١٩٠٤
↑[١٣] . تفسير ابن أبي حاتم، ج٦، ص١٨٤٣
↑[١٤] . التّوبة/ ٧٤
↑[١٥] . دلائل النبوة للبيهقي، ج٥، ص٢١٣
↑[١٦] . التّوبة/ ٤٩
↑[١٧] . مسند أحمد، ج٣٤، ص٤٩٦
↑[١٨] . النبيب: صوت التيس عند السِّفاد
↑[١٩] . الكثبة: قليل مجتمع من طعام أو لبن أو غير ذلك
↑[٢٠] . صحيح البخاري، ج٦، ص٤٠
↑[٢١] . صحيح مسلم، ج٨، ص١٢١
↑[٢٢] . آل عمران/ ١٨٨
↑[٢٣] . مسند أبي داود الطيالسي، ج١، ص٤٩٨
↑[٢٤] . النّساء/ ٨٨
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساهم في نشر العلم؛ فإنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
إذا كنت تجيد لغة أخرى، قم بترجمة هذا إليها، وأرسل لنا ترجمتك لنشرها على الموقع. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة دروس السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ
الكتاب: تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الثالثة
تاريخ النشر: غرة رجب ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان