الأحد ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ الموافق لـ ٢١ سبتمبر/ ايلول ٢٠٢٥ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «مناهج الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ مجموعة أقوال السيّد العلّامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما هو رأيكم في الخبر الذي رواه الطوسيّ في كتاب «الغيبة» (ص٤٤٧) بإسناده عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم»، يعني المهديّ، ثم قال: «إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه». هل هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «عن حال العراق اليوم» بقلم «منتظر». اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
درس
 
دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره
ما صحّ عن النّبيّ في ذلك

الحديث ١٦

ما يبايع عليه الإمام

رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ جَمِيعًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:

«بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، وَلَا نَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ، يُبَيِّنُ مَا يُبَايَعُ عَلَيْهِ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ وَيُطَاعَ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُ النَّاسِ: «وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا»، وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ خَلِيفَةَ اللَّهِ لَا يَسْتَأْثِرُ، وَإِنَّمَا زَادُوهُ بَعْدَ مَا سَيْطَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْتَأْثِرُونَ، وَخَلِيفَةُ اللَّهِ يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُنَازَعَتُهُ فِي الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَنْ نَازَعَهُ فِيهِ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ، وَالْقَوْلُ بِالْحَقِّ هُوَ الْقَوْلُ بِمَا يَقُولُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَجِبُ فِي كُلِّ حَالٍ وَلَا تَجُوزُ فِيهِ التَّقِيَّةُ؛ لِأَنَّ التَّقِيَّةَ إِنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا يَتَّقِي فِيهِ خَلِيفَةُ اللَّهِ، وَمَنِ اتَّقَى فِيمَا لَا يَتَّقِي فِيهِ خَلِيفَةُ اللَّهِ فَقَدْ أَعَانَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَالصَّبْرُ عَلَى قَوْلِ الْحَقِّ خَيْرٌ لَهُ، وَإِنْ مُزِّقَ كُلَّ مُمَزَّقٍ؛ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَرُوِيَ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ: «لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً شَدِيدَةً، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ؟ أَلَا تَسْتَنْصِرُهُ؟ فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ غَضْبَانًا، فَقَالَ: قَدْ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ بِنِصْفَيْنِ، فَمَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ، فَمَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»[٣].

الشاهد ١

وَرَوَى الدُّولَابِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «الْكُنَى وَالْأَسْمَاءِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَيُّوبَ أَبُو مَنْصُورٍ السَّكُونِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَتَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ حُجْرَةَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ بِالطَّرَسُوسِ، فَأَلْزَمَ ظَهْرَهُ الْحُجْرَةَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، أَلَا إِنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَدْ غَلَّ بِالْأَمْسِ حِمَارًا!» قَالَ: وَأَقْبَلَتْ أَوْسُقٌ مِنْ مَالٍ، فَاشْرَأَبَّتِ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّهَا مَا تَحْمِلُ الْحُمُرُ وَاللَّهِ مَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْحُجْرَةِ أَنْ يُعْطِيَكُمْ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَعِيلَةً -يَعْنِي سَهْمًا- فِي جَنْبِ أَحَدِكُمْ!» قَالَ: فَأَتَى رَجُلٌ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَ عُبَادَةُ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي يَدِهِ قِرْصَافَةٌ[٥]، فَجَعَلَ يَثِلُّ بِهَا الْحِمَارَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُعَاوِيَةُ، هَذَا حِمَارُكَ، فَشَأْنُكَ بِهِ»، حَتَّى أَوْرَدَهُ الْحُجْرَةَ.

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ [ت١٨٨هـ] فِي «السِّيَرِ»[٦]، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي الْفَيْضِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ أَبَا حَفْصٍ يَقُولُ: أَعْطَى مُعَاوِيَةُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِمَارًا، فَقَبِلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ: «مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَكَ، وَمَا كَانَ لَكَ أَنْ تَقْبَلَهُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِكَ أَعْلَاهُ أَسْفَلُهُ»، فَرَدَّهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَعَرَفَهُ، وَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ».

الشاهد ٢

وَرَوَى الدُّولَابِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «الْكُنَى وَالْأَسْمَاءِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي مَنِيعٍ الْوَلِيدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عَمِّهِ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَذِنَ يَوْمًا، فَقَامَ خَطِيبٌ يَمْدَحُ مُعَاوِيَةَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَامَ عُبَادَةُ بِتُرَابٍ فِي يَدِهِ، فَحَثَاهُ فِي فِي الْخَطِيبِ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: «مَنْ لِي مِنْكَ يَا عُبَادَةُ؟! رَأَيْتَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَيَّ، فَحَثَوْتَ فِي فِيهِ التُّرَابَ!» فَقَالَ عُبَادَةُ مُجِيبًا لَهُ: «إِنَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ لَمْ تَكُنْ مَعَنَا حِينَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْسَلِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ

الشاهد ٣

وَرَوَى الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ [ت٣٣٥هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ مَرَّتْ عَلَيْهِ قِطَارَةٌ وَهُوَ بِالشَّامِ تَحْمِلُ الْخَمْرَ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟! أَزَيْتٌ؟!» قِيلَ: «لَا، بَلُ خَمْرٌ تُبَاعُ لِمُعَاوِيَةَ»، فَأَخَذَ شَفْرَةً مِنَ السُّوقِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَذَرْ مِنْهَا رَاوِيَةً إِلَّا بَقَرَهَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ بِالشَّامِ، فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «أَلَا تُمْسِكُ عَنَّا أَخَاكَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ؟! أَمَّا بِالْغُدُوَاتِ فَيَغْدُو إِلَى السُّوقِ فَيُفْسِدُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَتَاجِرَهُمْ، وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَقْعُدُ بِالْمَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ إِلَّا شَتْمُ أَعْرَاضِنَا وَعَيْبُنَا! فَأَمْسِكْ عَنَّا أَخَاكَ!» فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَمْشِي حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ، فَقَالَ: «يَا عُبَادَةُ، مَا لَكَ وَلِمُعَاوِيَةَ؟! ذَرْهُ وَمَا حَمَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ[٩]!» قَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ مَعَنَا إِذْ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، بَايَعْنَاهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ نَقُولَ فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذُنَا فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ نَنْصُرَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْنَا يَثْرِبَ، فَنَمْنَعَهُ مَا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَزْوَاجَنَا وَأَهْلَنَا وَلَنَا الْجَنَّةُ، وَمَنْ وَفَّى وَفَّى اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِشَيْءٍ! فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ الشَّامَ وَأَهْلَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنَّا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَإِمَّا أَنْ أُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ! فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: «أَدْخِلْهُ إِلَى دَارِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ»، فَبَعَثَ بِهِ مُعَاوِيَةُ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ الدَّارَ، وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ السَّابِقِينَ بِعَيْنِهِ، وَمَنَ التَّابِعِينَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْقَوْمَ مُتَوَافِرِينَ، فَلَمْ يَهِمَّ عُثْمَانُ بِهِ إِلَّا وَهُوَ قَاعِدٌ فِي جَانِبِ الدَّارِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا عُبَادَةُ؟!» فَقَامَ عُبَادَةُ قَائِمًا وَانْتَصَبَ لَهُمْ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْقَاسِمِ يَقُولُ: سَيَلِي أُمُورَكُمْ مِنْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُونَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ، فَلَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ، فَلَا تَضِلُّوا بِرَبِّكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسُ عُبَادَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمِنْ أُولَئِكَ»، فَمَا رَاجَعَهُ عُثْمَانُ بِحَرْفٍ!

الشاهد ٤

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ [ت٥٧١هـ] فِي «تَارِيخِ دِمَشْقَ»[١٠]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَهْرَوَانِيُّ الْهَمَذَانِيُّ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ الْحَمَامِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَالِمٍ الْأَخْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شِيبَوَيْهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ-، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أَسِيدَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو صَخْرٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حِينَ ذَكَرَ النَّاسُ مِنْ شَأْنِ عُثْمَانَ مَا ذَكَرُوا قَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَحْضُرُ هَذَا الْأَمْرَ أَبَدًا»، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَحِقَ بِعَسْقَلَانَ، فَمَكَثَ حَتَّى فُرِغَ مِنْ عُثْمَانَ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَذَكَرَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ وَطِئَ عَقِبَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ، ثُمَّ مَاتَ، لَهُ الْفَضْلُ مِنْ ذَلِكَ لَا عَلَيْهِ، ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ، فَوَطِئَ عَقِبَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعَ أَثَرَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ مَاتَ، لَهُ الْفَضْلُ مِنْ ذَلِكَ لَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ عُثْمَانُ ثَمَانَ سِنِينَ لَا يُخَالِفُ أَمْرَ نَبِيِّهِ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ وَتَرَكَ، فَمَاتَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ وَلِيتُ، فَأَخَذْتُ حَتَّى خَالَطَ لَحْمِي وَدَمِي، فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَنَا مِمَّنْ بَعْدِي، وَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ جُنَّةٌ»! فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ إِنِ احْتَرَقَتِ الْجُنَّةُ؟!» قَالَ: «إِذًا تَخْلُصُ إِلَيْكَ النَّارُ»، قَالَ: «مِنْ ذَلِكَ أَفِرُّ»، قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ، فَأَضْرَطَ بِمُعَاوِيَةَ[١١]، ثُمَّ قَالَ: «عَلِمْتَ كَيْفَ كَانَتِ الْبَيْعَتَانِ حِينَ دُعِينَا إِلَيْهِمَا؟ دُعِينَا إِلَى أَنْ نُبَايِعَ عَلَى أَنْ لَا نَزْنِيَ وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَقُلْتُ: أَمَّا هَذَا فَاعْفِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَضَيْتُ أَنَا عَلَيْهَا، فَبَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ أَصْغَرُ فِي عَيْنِي مِنْ أَنْ أَخَافَكَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ هَذَا فِي شَأْنِ الْبَيْعَتَيْنِ»، فَأَمَرَ بِهِ فَأُرْسِلَ.

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ، صَادِعًا بِالْحَقِّ شُجَاعًا، وَلَوْ كَانَ سَائِرُ الْقَوْمِ هَكَذَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِمْ مِثْلُ مُعَاوِيَةَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ بَدَّلُوا وَصَانَعُوا، ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[١٢].

الشاهد ٥

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا، فَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ»، قَالَ: فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: «قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا»!

↑[١] . مسند أحمد، ج٣٧، ص٣٩٥
↑[٢] . صحيح البخاري، ج٩، ص٧٧
↑[٣] . مسند الحميدي، ج١، ص٢٣٩؛ مسند أحمد، ج٣٤، ص٥٣٧؛ صحيح البخاري، ج٤، ص٢٠١؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٤٧؛ الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا، ص٦٢؛ المسند للشاشي، ج٢، ص٤٠٢؛ صحيح ابن حبان، ج٦، ص٣٠
↑[٤] . الكنى والأسماء للدولابي، ج٣، ص١٠٧١
↑[٥] . ‌القرصافة: الخذروف، وهو عُويد مشقوق في وسطه، يشدّ بخيط ويدوّر.
↑[٦] . السير لأبي إسحاق الفزاري، ص٢٤٤
↑[٧] . الكنى والأسماء للدولابي، ج٣، ص١٠٦٤
↑[٨] . المسند للشاشي، ج٣، ص١٧٢
↑[٩] . البقرة/ ١٣٤
↑[١٠] . تاريخ دمشق لابن عساكر، ج٢٦، ص١٩٩
↑[١١] . أي حكى له بفيه فعل الضارط هزءًا.
↑[١٢] . المائدة/ ١٤
↑[١٣] . سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٢٨
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساهم في نشر العلم؛ فإنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
إذا كنت تجيد لغة أخرى، قم بترجمة هذا إليها، وأرسل لنا ترجمتك لنشرها على الموقع. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة دروس السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ
الكتاب: تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الثالثة
تاريخ النشر: غرة رجب ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان