السبت ٢٧ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ الموافق لـ ٢٠ سبتمبر/ ايلول ٢٠٢٥ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «مناهج الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ مجموعة أقوال السيّد العلّامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما هو رأيكم في الخبر الذي رواه الطوسيّ في كتاب «الغيبة» (ص٤٤٧) بإسناده عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم»، يعني المهديّ، ثم قال: «إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه». هل هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «عن حال العراق اليوم» بقلم «منتظر». اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
درس
 
دروس من جنابه في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.
ما صحّ عن أهل البيت في ذلك

الحديث ٥٤

«هَذِهِ صِفَةُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا»

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ الْأَئِمَّةِ وَصِفَاتِهِمْ:

«إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَصَبَ الْإِمَامَ عَلَمًا لِخَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ تَاجَ الْوَقَارِ، وَغَشَّاهُ مِنْ نُورِ الْجَبَّارِ، يُمَدُّ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَوَادُّهُ، وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِجِهَةِ أَسْبَابِهِ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مُلْتَبِسَاتِ الدُّجَى وَمُعَمَّيَاتِ السُّنَنِ وَمُشَبِّهَاتِ الْفِتَنِ، فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَخْتَارُهُمْ لِخَلْقِهِ، كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ إِمَامٌ نَصَبَ لِخَلْقِهِ إِمَامًا، عَلَمًا بَيِّنًا، وَهَادِيًا مُنِيرًا، وَإِمَامًا قَيِّمًا، وَحُجَّةً عَالِمًا، أَئِمَّةً مِنَ اللَّهِ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، حُجَجُ اللَّهِ وَدُعَاتُهُ وَرُعَاتُهُ عَلَى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهَدْيِهِمُ الْعِبَادُ، وَتَسْتَهِلُّ بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ، وَيَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلَادُ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ حَيَاةً لِلْأَنَامِ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ، وَدَعَائِمَ لِلْإِسْلَامِ، جَرَتْ بِذَلِكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ اللَّهِ عَلَى مَحْتُومِهَا، فَالْإِمَامُ هُوَ الْمُنْتَجَبُ الْمُرْتَضَى، وَالْهَادِي الْمُجْتَبَى، وَالْقَائِمُ الْمُرْتَجَى، اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَاصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ وَفِي الْبَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ، مَحْبُوًّا بِالْحِكْمَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِطُهْرِهِ، بَقِيَّةً مِنْ آدَمَ، وَخِيَرَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، وَمُصْطَفًى مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَسُلَالَةً مِنْ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَصَفْوَةً مِنْ عِتْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَزَلْ مَرْعِيًّا بِعَيْنِ اللَّهِ، يَحْفَظُهُ بِمَلَائِكَتِهِ وَسِتْرِهِ، مَطْرُودًا عَنْهُ حَبَائِلُ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ، مَدْفُوعًا عَنْهُ وُقُوبُ الْغَوَاسِقِ وَنُفُوثُ كُلِّ فَاسِقٍ، مَصْرُوفًا عَنْهُ قَوَارِفُ السُّوءِ، مُبْرَءًا مِنَ الْعَاهَاتِ، مَحْجُوبًا عَنِ الْآفَاتِ، مَعْصُومًا مَصُونًا مِنَ الْفَوَاحِشِ كُلِّهَا، مَعْرُوفًا بِالْحِلْمِ وَالْبِرِّ فِي يَفَاعِهِ، مَنْسُوبًا إِلَى الْعَفَافِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ، قَلَّدَهُ اللَّهُ دِينَهُ، وَجَعَلَهُ الْحُجَّةَ عَلَى عِبَادِهِ وَقَيِّمَهُ فِي بِلَادِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحِهِ، وَآتَاهُ عِلْمَهُ، وَأَنْبَأَهُ فَصْلَ بَيَانِهِ، وَاسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَانْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، وَنَصَبَهُ عَلَمًا لِخَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ، وَضِيَاءً لِأَهْلِ دِينِهِ، وَالْقَيِّمَ عَلَى عِبَادِهِ، رَضِيَ اللَّهُ بِهِ إِمَامًا لَهُمْ، اسْتَحْفَظَهُ عِلْمَهُ، وَاسْتَخْبَأَهُ حِكْمَتَهُ، وَاسْتَرْعَاهُ لِدِينِهِ، وَأَحْيَى بِهِ مَنَاهِجَ سَبِيلِهِ وَفَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ، فَقَامَ بِالْعَدْلِ عِنْدَ تَحَيُّرِ أَهْلِ الْجَهْلِ وَتَحْيِيرِ أَهْلِ الْجَدَلِ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَالشِّفَاءِ النَّافِعِ، بِالْحَقِّ الْأَبْلَجِ وَالْبَيَانِ اللَّائِحِ مِنْ كُلِّ مَخْرَجٍ، عَلَى طَرِيقِ الْمَنْهَجِ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ الصَّادِقُونَ مِنْ آبَائِهِ، فَلَيْسَ يَجْهَلُ حَقَّ هَذَا الْعَالِمِ إِلَّا شَقِيٌّ، وَلَا يَجْحَدُهُ إِلَّا غَوِيٌّ، وَلَا يَصُدُّ عَنْهُ إِلَّا جَرِيءٌ عَلَى اللَّهِ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ صِفَةُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا، وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ؛ يَقُولُونَ: هَذِهِ مِنْ خُرَافَاتِ الرَّوَافِضِ، وَمَا هِيَ مِنْ خُرَافَاتِ الرَّوَافِضِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ[٢]، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ﴿إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ[٣]، وَ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ[٤]، وَقَدْ كَانَ مِنْ آبَائِهِمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ عَصَوْهُ وَاتَّبَعُوا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ، ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ[٥]!

الشاهد ١

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ [ت٢٩٠هـ] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يُنْكِرُونَ الْإِمَامَ الْمُفْتَرَضَ الطَّاعَةَ وَيَجْحَدُونَ بِهِ، وَاللَّهِ مَا فِي الْأَرْضِ مَنْزِلَةٌ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مَنْزِلَةِ إِمَامٍ مُفْتَرَضِ الطَّاعَةِ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَهْرًا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَمَا كَانَ إِمَامًا، حَتَّى بَدَا لِلَّهِ أَنْ يُكْرِمَهُ وَيُعَظِّمَهُ، فَقَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[٧]، فَعَرَفَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ، فَقَالَ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[٨]».

الشاهد ٢

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ الْكُلَيْنِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الدَّقَّاقُ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِشَامٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ الْعُلَا؛ وَحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَارُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَامِدٍ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الرَّقَّامِ؛ قَالَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا فِي أَيَّامِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَرْوَ، فَاجْتَمَعْنَا فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَدْءِ مَقْدِمِنَا، فَأَدَارُوا أَمْرَ الْإِمَامَةِ، وَذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَعْلَمْتُهُ بِمَا خَاضَ النَّاسُ فِيهِ، فَتَبَسَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ، جَهِلَ الْقَوْمُ وَخُدِعُوا عَنْ أَدْيَانِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَالْحُدُودَ وَالْأَحْكَامَ، وَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلًا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[١٠]، وَأَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ آخِرُ عُمُرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[١١]؛ فَأَمْرُ الْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ، وَلَمْ يَمْضِ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ عَلَى قَصْدِ الْحَقِّ، وَأَقَامَ لَهُمْ عَلَمًا وَإِمَامًا، وَمَا تَرَكَ شَيْئًا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ، وَمَنْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ. هَلْ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الْإِمَامَةِ وَمَحَلَّهَا مِنَ الْأُمَّةِ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ؟! إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْظَمُ شَأْنًا وَأَعْلَى مَكَانًا وَأَمْنَعُ جَانِبًا وَأَبْعَدُ غَوْرًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَامًا بِاخْتِيَارِهِمْ. إِنَّ الْإِمَامَةَ خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَالْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً، وَفَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا وَأَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، فَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُرُورًا بِهَا: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟! قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، فَأَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَصَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالطَّهَارَةِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ۝ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[١٢]، فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ قَرْنًا فَقَرْنًا حَتَّى وَرِثَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ[١٣]، فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً، فَقَلَّدَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[١٤]، فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ؟! إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ. إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخِلَافَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَنِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَصَلَاحُ الدُّنْيَا، وَعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ. إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي، وَفَرْعُهُ السَّامِي. بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَتَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ، وَإِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ. الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ، وَيُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، وَيَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ. الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ لِلْعَالَمِ، وَهِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارُ. الْإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى وَالْبَلَدِ الْقِفَارِ وَلُجَجِ الْبِحَارِ. الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَالدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَالْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى. الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ، وَالدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ. الْإِمَامُ السَّحَابُ الْمَاطِرُ، وَالْغَيْثُ الْهَاطِلُ، وَالشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَالْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَالْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ، وَالْغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ. الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ. الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَالذَّابُّ عَنْ حَرَمِ اللَّهِ. الْإِمَامُ هُوَ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، الْمُبَرَّأُ مِنَ الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَعِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَبَوَارُ الْكَافِرِينَ. الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَلَا لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ، مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَلَا اكْتِسَابٍ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ. فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ، أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟! هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَتَاهَتِ الْحُلُومُ، وَحَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَحَسَرَتِ الْعُيُونُ، وَتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَحَصَرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَجَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ، عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، فَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْ يُغْنِي غِنَاهُ؟! لَا، كَيْفَ وَأَنَّى؟! وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ مِنْ أَيْدِي الْمُتَنَاوِلِينَ، وَوَصْفِ الْوَاصِفِينَ. فَأَيْنَ الْإِخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟! وَأَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟! وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟! أَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! كَذَبَتْهُمْ وَاللَّهِ أَنْفُسُهُمْ وَمَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلُ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقًا صَعْبًا دَحْضًا تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ، وَرَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ وَآرَاءٍ مُضِلَّةٍ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْدًا، ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[١٥]، لَقَدْ رَامُوا صَعْبًا، وَقَالُوا إِفْكًا، وَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا، وَوَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ، إِذْ تَرَكُوا الْإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ، ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ[١٦]، رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ وَاخْتِيَارِ رَسُولِهِ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَالْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[١٧]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[١٨]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ۝ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ۝ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ۝ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ[١٩]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[٢٠]، أَمْ ﴿طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ[٢١]، أَمْ ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ۝ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ۝ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ[٢٢]، أَمْ ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا[٢٣]، بَلْ هُوَ ﴿فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[٢٤]. فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ؟! وَالْإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَرَاعٍ لَا يَنْكُلُ، مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَالطَّهَارَةِ، وَالنُّسُكِ وَالزَّهَادَةِ، وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ، مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ، مِنْ نَسْلِ الْمُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ، وَلَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ، فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالذُّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ، وَالْعِتْرَةِ مِنْ آلِ الرَّسُولِ، وَالرِّضَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، شَرَفُ الْأَشْرَافِ، وَالْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ، نَامِي الْعِلْمِ، كَامِلُ الْحِلْمِ، مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، نَاصِحٌ لِعِبَادِ اللَّهِ، حَافِظٌ لِدِينِ اللَّهِ. إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يُوَفِّقُهُمُ اللَّهُ وَيُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ، فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[٢٥]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ[٢٦]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي طَالُوتَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[٢٧]، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا[٢٨]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ۝ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا[٢٩]. إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأُمُورِ عِبَادِهِ شَرَحَ لِذَلِكَ صَدْرَهُ، وَأَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ، وَأَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَامًا، فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَلَا يَحِيدُ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ، فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ، قَدْ أَمِنَ الْخَطَأَ وَالزَّلَلَ وَالْعِثَارَ، يَخُصُّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ عَلَى عِبَادِهِ، وَشَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[٣٠]. فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ؟! أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ؟! تَعَدَّوْا وَبَيْتِ اللَّهِ الْحَقَّ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الْهُدَى وَالشِّفَاءُ، فَنَبَذُوهُ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللَّهُ وَمَقَتَهُمْ وَأَتْعَسَهُمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[٣١]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ[٣٢]، وَقَالَ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ[٣٣]».

↑[١] . الكافي للكليني، ج١، ص٢٠٣-٢٠٥
↑[٢] . البقرة/ ١٧٠
↑[٣] . الأعراف/ ١٧٣
↑[٤] . الأعراف/ ٣٨
↑[٥] . الأحقاف/ ١١
↑[٦] . بصائر الدرجات للصفار، ص٥٢٩
↑[٧] . البقرة/ ١٢٤
↑[٨] . البقرة/ ١٢٤
↑[٩] . عيون أخبار الرضا لابن بابويه، ج١، ص١٩٥-٢٠٠
↑[١٠] . الأنعام/ ٣٨
↑[١١] . المائدة/ ٣
↑[١٢] . الأنبياء/ ٧٢-٧٣
↑[١٣] . آل عمران/ ٦٨
↑[١٤] . الرّوم/ ٥٦
↑[١٥] . التّوبة/ ٣٠
↑[١٦] . العنكبوت/ ٣٨
↑[١٧] . القصص/ ٦٨
↑[١٨] . الأحزاب/ ٣٦
↑[١٩] . القلم/ ٣٦-٤١
↑[٢٠] . محمّد/ ٢٤
↑[٢١] . التّوبة/ ٨٧
↑[٢٢] . الأنفال/ ٢١-٢٣
↑[٢٣] . البقرة/ ٩٣
↑[٢٤] . الحديد/ ٢١
↑[٢٥] . يونس/ ٣٥
↑[٢٦] . البقرة/ ٢٦٩
↑[٢٧] . البقرة/ ٢٤٧
↑[٢٨] . النّساء/ ١١٣
↑[٢٩] . النّساء/ ٥٤-٥٥
↑[٣٠] . الجمعة/ ٤
↑[٣١] . القصص/ ٥٠
↑[٣٢] . محمّد/ ٨
↑[٣٣] . غافر/ ٣٥
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساهم في نشر العلم؛ فإنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
إذا كنت تجيد لغة أخرى، قم بترجمة هذا إليها، وأرسل لنا ترجمتك لنشرها على الموقع. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة دروس السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ
الكتاب: تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الثالثة
تاريخ النشر: غرة رجب ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان