الأحد ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ الموافق لـ ٢١ سبتمبر/ ايلول ٢٠٢٥ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «مناهج الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ مجموعة أقوال السيّد العلّامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما هو رأيكم في الخبر الذي رواه الطوسيّ في كتاب «الغيبة» (ص٤٤٧) بإسناده عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم»، يعني المهديّ، ثم قال: «إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه». هل هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «عن حال العراق اليوم» بقلم «منتظر». اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
درس
 
دروس من جنابه في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.
ما صحّ عن أهل البيت في ذلك

الحديث ٣٦

«حُجَّةٌ مِنَ الْعَقْلِ عَلَى وُجُودِ إِمَامٍ هَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «عِلَلِ الشَّرَائِعِ»[١] وَ«كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَرَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:

كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ، وَمُؤْمِنُ الطَّاقِ، وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ، وَالطَّيَّارُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ شَابٌّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَا هِشَامُ!» قَالَ: لَبَّيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! قَالَ: «أَلَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَيْفَ سَأَلْتَهُ؟» قَالَ هِشَامٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنِّي أُجِلُّكَ وَأَسْتَحْيِيكَ، وَلَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوهُ»، قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَجُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، وَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَدَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ، وَإِذَا أَنَا بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ صُوفٍ مُؤْتَزِرٌ بِهَا وَشَمْلَةٌ مُرْتَدٍ بِهَا، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ، فَأَفْرَجُوا لِي، ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلَى رُكْبَتَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْعَالِمُ! أَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ، تَأْذَنُ لِي فَأَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ! أَيُّ شَيْءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ؟! إِذَا تَرَى شَيْئًا كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟! فَقُلْتُ: هَكَذَا مَسْأَلَتِي، قَالَ: يَا بُنَيَّ! سَلْ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ! قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا، فَقَالَ لِي: سَلْ، قُلْتُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَرَى بِهَا الْأَلْوَانَ وَالْأَشْخَاصَ، قُلْتُ: أَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ، قُلْتُ: أَلَكَ لِسَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتَكَلَّمُ بِهِ، قُلْتُ: أَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الْأَصْوَاتَ، قُلْتُ: أَفَلَكَ يَدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِمَا؟ قَالَ: أَبْطِشُ بِهِمَا وَأَعْرِفُ بِهِمَا اللَّيِّنَ مِنَ الْخَشِنِ، قُلْتُ: أَلَكَ رِجْلَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِمَا؟ قَالَ: أَنْتَقِلُ بِهِمَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، قُلْتُ: أَلَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَعْرِفُ بِهِ الْمَطَاعِمَ عَلَى اخْتِلَافِهَا، قُلْتُ: أَفَلَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّمَا وَرَدَ عَلَى هَذِهِ الْجَوَارِحِ، قُلْتُ: أَفَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ، فَيُقِرُّ الْيَقِينَ وَيُبْطِلُ الشَّكَّ، قُلْتُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَلَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ! إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَلَ لَهَا إِمَامًا يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ وَيَنْفِي مَا شَكَّتْ فِيهِ، وَيَتْرُكُ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَشَكِّهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَامًا يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَحَيْرَتَهُمْ، وَيُقِيمُ لَكَ إِمَامًا لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْهِ شَكَّكَ وَحَيْرَتَكَ؟! قَالَ: فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَنْتَ هِشَامٌ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ لِي: أَمِنْ جُلَسَائِهِ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَنْتَ إِذًا هُوَ، قَالَ: ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ، فَأَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ، وَمَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ، فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامُ! مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟» قَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! جَرَى عَلَى لِسَانِي، قَالَ: «يَا هِشَامُ! هَذَا وَاللَّهِ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَرَّارٍ مَقْبُولٌ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ:

الشاهد ١

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكَشِّيُّ [ت٣٥٠هـ] فِي «رِجَالِهِ»[٣]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْفِيرُوزَانِيُّ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٤]، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَالظَّاهِرُ سُقُوطُ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَرْوِي عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَالْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ حُجَّةً مِنَ الْعَقْلِ عَلَى وُجُودِ إِمَامٍ هَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نَظَرًا لِوُجُودِ التَّوَافُقِ بَيْنَ التَّكْوِينِ وَالتَّشْرِيعِ، وَكَانَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ مِنْ ثِقَاتِ الشِّيعَةِ وَمُتَكَلِّمِيهِمْ، وَقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بِالتَّجْسِيمِ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ كَانَ شَيْئًا قَالَهُ فِي بَعْضِ مُنَاظَرَاتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالْجَدَلِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قَرَّبَهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ كَانَ قَائِلًا بِذَلِكَ لَمْ يُقَرِّبْهُ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ اللَّهِ: «هُوَ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ، ارْجِعْ بِقَوْلِي: شَيْءٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَعْنًى، وَأَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ»[٥]؟ وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ لِضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يُنَاظِرُهُ فِي مَجْلِسِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ: أَتَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَدْلٌ لَا يَجُورُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: فَلَوْ كَلَّفَ اللَّهُ الْمُقْعَدَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَلَّفَ الْأَعْمَى قِرَاءَةَ الْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ، أَتَرَاهُ كَانَ يَكُونُ عَادِلًا أَمْ جَائِرًا؟ قَالَ ضِرَارٌ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَ هِشَامٌ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَدَلِ وَالْخُصُومَةِ، أَنْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَلَيْسَ كَانَ فِي فِعْلِهِ جَائِرًا، إِذْ كَلَّفَهُ تَكْلِيفًا لَا يَكُونُ لَهُ السَّبِيلُ إِلَى إِقَامَتِهِ وَأَدَائِهِ؟ قَالَ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكَانَ جَائِرًا، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَلَّفَ الْعِبَادَ دِينًا وَاحِدًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْتُوا بِهِ كَمَا كَلَّفَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَجَعَلَ لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الدِّينِ، أَوْ كَلَّفَهُمْ مَا لَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى وُجُودِهِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَلَّفَ الْأَعْمَى قِرَاءَةَ الْكُتُبِ، وَالْمُقْعَدَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَادِ؟ فَسَكَتَ ضِرَارٌ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِصَاحِبِكَ -يَعْنِي إِمَامًا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ! قَالَ: فَتَبَسَّمَ هِشَامٌ وَقَالَ: تَشَيَّعَ شَطْرُكَ، وَصِرْتَ إِلَى الْحَقِّ ضَرُورَةً، وَلَا خِلَافَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِلَّا فِي التَّسْمِيَةِ! قَالَ ضِرَارٌ: فَإِنِّي أُرْجِعُ الْقَوْلَ عَلَيْكَ فِي هَذَا، قَالَ: هَاتِ، قَالَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى الْإِمَامَةِ؟ قَالَ: الْإِضْطِرَارُ إِلَيْهَا، قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا يَخْلُو الْكَلَامُ فِي هَذَا مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَفَعَ التَّكْلِيفَ عَنِ الْخَلْقِ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ وَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا، أَفَتَقُولُ هَذَا يَا ضِرَارُ؟ إِنَّ التَّكْلِيفَ عَنِ النَّاسِ مَرْفُوعٌ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ هَذَا، قَالَ هِشَامٌ: فَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّاسُ الْمُكَلَّفُونَ قَدِ اسْتَحَالُوا بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عُلَمَاءَ فِي مِثْلِ حَدِّ الرَّسُولِ فِي الْعِلْمِ، حَتَّى لَا يَحْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ، فَيَكُونُوا كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَغْنَوْا بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَصَابُوا الْحَقَّ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، أَفَتَقُولُ هَذَا؟ إِنَّ النَّاسَ اسْتَحَالُوا عُلَمَاءَ حَتَّى صَارُوا فِي مِثْلِ حَدِّ الرَّسُولِ فِي الْعِلْمِ بِالدِّينِ، حَتَّى لَا يَحْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ، مُسْتَغْنِينَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ هَذَا، وَلَكِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى غَيْرِهِمْ، قَالَ: فَبَقِيَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ عَالِمٍ يُقِيمُهُ الرَّسُولُ لَهُمْ، لَا يَغْلَطُ وَلَا يَحِيفُ، مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ، مُبَرَّءٌ مِنَ الْخَطَايَا، يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ[٦].

الشاهد ٢

وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالِهِ-، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ صَاحِبُ كَلَامٍ وَفِقْهٍ وَفَرَائِضَ، وَقَدْ جِئْتُ لِمُنَاظَرَةِ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ كَلَامٍ: «كَلِّمْ هَذَا الْغُلَامَ»، يَعْنِي هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِهِشَامٍ: يَا غُلَامُ، سَلْنِي فِي إِمَامَةِ هَذَا! فَغَضِبَ هِشَامٌ حَتَّى ارْتَعَدَ، ثُمَّ قَالَ لِلشَّامِيِّ: يَا هَذَا، أَرَبُّكَ أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ أَمْ خَلْقُهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟ فَقَالَ الشَّامِيُّ: بَلْ رَبِّي أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ، قَالَ: فَفَعَلَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ مَا ذَا؟ قَالَ: أَقَامَ لَهُمْ حُجَّةً وَدَلِيلًا، كَيْلَا يَتَشَتَّتُوا أَوْ يَخْتَلِفُوا، يَتَأَلَّفُهُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَهُمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِفَرْضِ رَبِّهِمْ، قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ هِشَامٌ: فَبَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، قَالَ هِشَامٌ: فَهَلْ نَفَعَنَا الْيَوْمَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي رَفْعِ الْإِخْتِلَافِ عَنَّا؟ قَالَ الشَّامِيُّ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ اخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَصِرْتَ إِلَيْنَا مِنَ الشَّامِ فِي مُخَالَفَتِنَا إِيَّاكَ؟! قَالَ: فَسَكَتَ الشَّامِيُّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلشَّامِيِّ: «مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟!» قَالَ الشَّامِيُّ: إِنْ قُلْتُ لَمْ نَخْتَلِفْ كَذَبْتُ، وَإِنْ قُلْتُ إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَرْفَعَانِ عَنَّا الْإِخْتِلَافَ أَبْطَلْتُ، لِأَنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْوُجُوهَ، وَإِنْ قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفْنَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَدَّعِي الْحَقَّ فَلَمْ يَنْفَعْنَا إِذَنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، إِلَّا أَنَّ لِي عَلَيْهِ مِثْلَ هَذِهِ الْحُجَّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سَلْهُ تَجِدْهُ مَلِيًّا»، فَقَالَ الشَّامِيُّ: يَا هَذَا، مَنْ أَنْظَرُ لِلْخَلْقِ؟ أَرَبُّهُمْ أَوْ أَنْفُسُهُمْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: رَبُّهُمْ أَنْظَرُ لَهُمْ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: فَهَلْ أَقَامَ لَهُمْ مَنْ يَجْمَعُ لَهُمْ كَلِمَتَهُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَهُمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ بَاطِلِهِمْ؟ قَالَ هِشَامٌ: فِي وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوِ السَّاعَةِ؟ قَالَ الشَّامِيُّ: فِي وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّاعَةَ مَنْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: هَذَا الْقَاعِدُ الَّذِي تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ، وَيُخْبِرُنَا بِأَخْبَارِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وِرَاثَةً عَنْ أَبٍ عَنْ جَدٍّ، قَالَ الشَّامِيُّ: فَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ ذَلِكَ؟ قَالَ هِشَامٌ: سَلْهُ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ الشَّامِيُّ: قَطَعْتَ عُذْرِي، فَعَلَيَّ السُّؤَالُ، فَأَخْبَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا شَاءَ، فَهَدَاهُ اللَّهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ [ت٤١٣هـ] فِي «الْإِرْشَادِ»، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ بِالْأَخْبَارِ فِي صِحَّتِهِ»[٨].

الشاهد ٣

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْعَطَّارُ بِنَيْسَابُورَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثَمِأَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ؛ وَحَدَّثَنَا الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ؛ جَمِيعًا عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ النَّيْسَابُورِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ الرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَشَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَجَمَعَهَا: «إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ جَعَلَ اللَّهُ أُولِي الْأَمْرِ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ؟ قِيلَ: لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا أَنَّ الْخَلْقَ لَمَّا وَقَفُوا عَلَى حَدٍّ مَحْدُودٍ، وَأُمِرُوا أَنْ لَا يَتَعَدَّوْا ذَلِكَ الْحَدَّ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسَادِهِمْ، لَمْ يَكُنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَلَا يَقُومُ إِلَّا بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمِينًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَدِّي وَالدُّخُولِ فِيمَا حُظِرَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكَانَ أَحَدٌ لَا يَتْرُكُ لَذَّتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ لِفَسَادِ غَيْرِهِ، فَجَعَلَ قَيِّمًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْفَسَادِ، وَيُقِيمُ فِيهِمُ الْحُدُودَ وَالْأَحْكَامَ، وَمِنْهَا أَنَّا لَا نَجِدُ فِرْقَةً مِنَ الْفِرَقِ وَلَا مِلَّةً مِنَ الْمِلَلِ بَقُوا وَعَاشُوا إِلَّا بِقَيِّمٍ وَرَئِيسٍ لِمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَمْ يَجُزْ فِي حِكْمَةِ الْحَكِيمِ أَنْ يَتْرُكَ الْخَلْقَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا قِوَامَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ، فَيُقَاتِلُونَ بِهِ عَدُوَّهُمْ، وَيَقْسِمُونَ فَيْئَهُمْ، وَيُقِيمُ لَهُمْ جُمُعَتَهُمْ وَجَمَاعَتَهُمْ، وَيَمْنَعُ ظَالِمَهُمْ مِنْ مَظْلُومِهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إِمَامًا قَيِّمًا أَمِينًا حَافِظًا مُسْتَوْدَعًا، لَدَرَسَتِ الْمِلَّةُ وَذَهَبَ الدِّينُ وَغُيِّرَتِ السُّنَنُ وَالْأَحْكَامُ، وَلَزَادَ فِيهِ الْمُبْتَدِعُونَ وَنَقَصَ مِنْهُ الْمُلْحِدُونَ، وَشَبَّهُوا ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا الْخَلْقَ مَنْقُوصِينَ مُحْتَاجِينَ غَيْرَ كَامِلِينَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ أَنْحَائِهِمْ، فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ قَيِّمًا حَافِظًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لَفَسَدُوا نَحْوَ مَا بَيَّنَّا، وَغُيِّرَتِ الشَّرَائِعُ وَالسُّنَنُ وَالْأَحْكَامُ وَالْإِيمَانُ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ».

ملاحظة

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى مِنَ الْعَقْلِ عَلَى وُجُودِ إِمَامٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا يَجْهَلُ مَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إِلَى إِمَامٍ؛ أَفَيَجْهَلُهُ مَنْ هُوَ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى[١٠]؟! ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ[١١]، وَلَا يَخْلُو قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْإِمَامَةَ مِنْ كَذِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْلَمْ مَا عَلِمُوهُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْإِمَامِ، وَإِمَّا يُرِيدُ أَنَّهُ عَلِمَهُ فَأَهْمَلَهُ، وَأَيَّمَا أَرَادَ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَهُوَ أَنْصَحُ لِخَلْقِهِ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُمْ شَيْئًا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ أَشَدَّ الْحَاجَةِ، ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ[١٢]، وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّمَا تَرَكَ اللَّهُ جَعْلَ إِمَامٍ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا دَاعِيَ إِلَى أَنْ يَجْعَلَهُ هُوَ، وَهَذَا كَذِبٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ يَقْضِي حَاجَتَهُمْ يَقِينًا لِيَجْعَلُوهُ، فَرُبَّمَا يَجْعَلُونَ مَنْ يَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ يَأْبَى، فَتَبْقَى حَاجَتُهُمْ غَيْرَ مَقْضِيَّةٍ، كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ دَائِمًا. ثُمَّ لَوْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إِمَامًا لَجَازَ لَهُمْ أَنْ لَا يَجْعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ إِمَامًا؛ إِذْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: «لَسْنَا بِحَاجَةٍ إِلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُنَّا بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ لَجَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَاجَتِنَا، فَإِذْ لَمْ يَجْعَلْهُ لَنَا فَلَسْنَا بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ[١٣]، وَلَا نَتَكَلَّفَ مَا سَكَتَ عَنْهُ[١٤]، بَلْ كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ فَهُوَ رَدٌّ[١٥]»، فَكَانَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ جَعْلِ الْإِمَامِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُمْ إِمَامًا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، وَيَكُونَ الْحُجَّةُ لِلَّهِ.

الشاهد ٤

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[١٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْوَشَّاءُ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرٍ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُورٍ؛ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [ت‌بعد٤١١هـ] فِي «دَلَائِلِ الْإِمَامَةِ»[١٧]، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ يَزْدَادَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعَالِبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ؛ جَمِيعًا عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ، وَعِنْدَهُ ابْنُهُ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْعِلَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ النَّاسَ مِنِ اخْتِيَارِ إِمَامٍ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: «هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ خِيرَتُهُمْ عَلَى الْمُفْسِدِ، بَعْدَ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ مَا يَخْطُرُ بِبَالِ غَيْرِهِ مِنْ صَلَاحٍ أَوْ فَسَادٍ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَهِيَ الْعِلَّةُ، وَأُورِدُهَا لَكَ بِبُرْهَانٍ يَنْقَادُ لَهُ عَقْلُكَ، أَخْبِرْنِي عَنِ الرُّسُلِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ وَأَيَّدَهُمْ بِالْوَحْيِ وَالْعِصْمَةِ، إِذْ هُمْ أَعْلَامُ الْأُمَمِ وَأَهْدَى إِلَى الْإِخْتِيَارِ مِنْهُمْ، مِثْلَ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، هَلْ يَجُوزُ مَعَ وُفُورِ عَقْلِهِمَا وَكَمَالِ عِلْمِهِمَا إِذَا هَمَّا بِالْإِخْتِيَارِ أَنْ يَقَعَ خِيرَتُهُمَا عَلَى الْمُنَافِقِ، وَهُمَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَهَذَا مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ مَعَ وُفُورِ عَقْلِهِ وَكَمَالِ عِلْمِهِ، اخْتَارَ مِنْ أَعْيَانِ قَوْمِهِ وَوُجُوهِ عَسْكَرِهِ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ سَبْعِينَ رَجُلًا مِمَّنْ لَا يَشُكُّ فِي إِيمَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ، فَوَقَعَتْ خِيرَتُهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا[١٨]، فَلَمَّا وَجَدْنَا اخْتِيَارَ مَنْ قَدِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِلنُّبُوَّةِ وَاقِعًا عَلَى الْأَفْسَدِ دُونَ الْأَصْلَحِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ دُونَ الْأَفْسَدِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ إِلَّا لِمَنْ يَعْلَمُ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَتُكِنُّ الضَّمَائِرُ وَتَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ السَّرَائِرُ، وَأَنَّهُ لَا خَطَرَ لِاخْتِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَعْدَ وُقُوعِ خِيرَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى ذَوِي الْفَسَادِ لَمَّا أَرَادُوا أَهْلَ الصَّلَاحِ».

↑[١] . علل الشرائع لابن بابويه، ج١، ص١٩٣
↑[٢] . كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه، ص٢٠٧
↑[٣] . رجال الكشي، ج٢، ص٥٤٩
↑[٤] . الكافي للكليني، ج١، ص١٦٩
↑[٥] . الكافي للكليني، ج١، ص٨٣؛ التوحيد لابن بابويه، ص٢٤٤
↑[٦] . رواه محمّد بن عليّ بن بابويه (ت٣٨١هـ) في «كمال الدين وتمام النعمة» (ص٣٦٢)، قال: حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه، قالا: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، قال: أخبرني عليّ الأسواريّ -فذكر المناظرة.
↑[٧] . الكافي للكليني، ج١، ص١٧٢
↑[٨] . الإرشاد للمفيد، ج٢، ص١٩٣
↑[٩] . عيون أخبار الرضا لابن بابويه، ج٢، ص١٠٧ و١٠٨
↑[١٠] . طه/ ٧
↑[١١] . الأنعام/ ١٠٠
↑[١٢] . ص/ ٢٧
↑[١٣] . أراد قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات/ ١).
↑[١٤] . أراد ما جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِنَّ اللَّهَ سَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا».
↑[١٥] . أراد ما جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
↑[١٦] . كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه، ص٢٦١
↑[١٧] . دلائل الإمامة للطبري الصغير، ص٥١٤
↑[١٨] . الأعراف/ ١٥٥
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساهم في نشر العلم؛ فإنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
إذا كنت تجيد لغة أخرى، قم بترجمة هذا إليها، وأرسل لنا ترجمتك لنشرها على الموقع. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة دروس السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ
الكتاب: تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين؛ تقرير دروس العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الثالثة
تاريخ النشر: غرة رجب ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان