لذلك، فإنّ إنشاء دولة إسلاميّة واسعة من خلال دمج كلّ بلاد المسلمين فيها، تحت راية الحاكم الذي سمّاه اللّه وعيّنه، هو السّبيل الوحيد لنجاح المسلمين وسيطرتهم على العالم. بالرّغم من أنّه يمكن قبل ذلك التفكير في طرق أقصر، مثل تشكيل اتّحاد من الدّول الإسلاميّة بعملة واحدة وجيش واحد، كمقدّمة لتأسيس الحكومة الإسلاميّة الواحدة؛ لأنّ الإنتقال المباشر للمسلمين من المرحلة الحاليّة إلى المرحلة المثاليّة، حتّى في ظلّ ثورة عامّة في البلاد الإسلاميّة مثل الثورة المعروفة باسم «الربيع العربيّ» التي حدثت مؤخّرًا في بعض الدّول العربيّة، هو أمر بالغ الصّعوبة. لذلك، يبدو أكثر عمليًّا أن يتمّ في المقام الأوّل إنشاء اتّحاد كبير مثل الإتّحاد الأوروبيّ، مع عضويّة جميع الدّول الإسلاميّة ووضع حدود مفتوحة وعملة مشتركة وجيش مشترك، وفي المقام الثاني، إنشاء اتّحاد أعمق بينهم في شكل حكومة إسلاميّة شاملة وقائمة على اتّباع خليفة اللّه في الأرض. هذا بالتأكيد سبيل خلاص المسلمين ووصولهم إلى سعادة الدّنيا والآخرة.
٤ . رواج النّزعة الحديثيّة
سبب آخر لعدم إقامة الإسلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان رواج النّزعة الحديثيّة من بعده. المراد بالنّزعة الحديثيّة هو بناء العقائد والأعمال على أقوال وأفعال منسوبة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بشكل غير متواتر بواسطة رجال يحتمل كذبهم أو خطأهم أو نسيانهم، وبالتّالي فإنّ صحّتها غير قطعيّة؛ لأنّه من المحسوس أنّ خبر واحد غير معصوم، حتّى إذا كان ظاهره الصّدق، يمكن أن يكون صحيحًا ويمكن أن يكون غير صحيح؛ بالنّظر إلى أنّه لا يتحصّل عادة علم قطعيّ بأنّ الرّجل كان صادقًا في الماضي؛ بغضّ النّظر عن حقيقة أنّ كونه صادقًا في الماضي لا يعني أنّه صادق في المستقبل؛ بغضّ النّظر عن حقيقة أنّ كونه صادقًا في الماضي والمستقبل لا يمنعه من النسيان والخطأ. بالإضافة إلى أنّ الإختلاف بين خبر الواحد والواقع، خاصّة في الحالات التي بينهما فاصل زمنيّ كبير، هو أمر شائع وغالب؛ لدرجة أنّه لا يكاد يوجد خبر واحد يطابق الواقع بالكامل؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾.