٣ . الإختلاط بالأمم والثقافات غير الإسلاميّة
سبب آخر لعدم إقامة الإسلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان اختلاط المسلمين بالأمم والثقافات غير الإسلاميّة، وكان ذلك سببًا شائعًا لعدم إقامة الدّين بعد الأنبياء؛ كما على سبيل المثال، بعد موسى عليه السّلام، بالتدريج نسي أتباعه تعاليمه وخالطوا الأقوام الكافرة، ومع مرور الوقت تأثّروا بثقافتهم الكفريّة، وذهبوا إلى حدّ أن عبدوا آلهتهم، وفي زمن إلياس النّبيّ عليه السّلام سجدوا لبعل صنم الكنعانيّين؛ كما قال اللّه تعالى حكاية عن ذلك النّبيّ لقومه: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾. كذلك أتباع عيسى عليه السّلام من بعده، بدافع التخلّص من عذاب الرّوم والحصول على دعمهم، وتحت تأثير تعاليم بولس، الذي كان يهوديًّا ضدًّا للمسيح، نسوا تعاليمه، واقتربوا من الرّوم الوثنيّين، وتأثّروا بأفكارهم الشّركيّة، واستبدلوا تثليثهم بتوحيد عيسى عليه السّلام. كذلك أتباع محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من بعده، ساروا على نهج الماضين، وبعد فتوحاتهم في أراضي الكافرين، اختلطوا بالأقوام المشركة والكتابيّة، وتأثّروا بثقافتهم ونسوا حظًّا من الثّقافة الإسلاميّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المشركين والكتابيّين الذين أسلموا تحت تأثير دعاية المسلمين أو حروبهم، لم يقدروا أبدًا على التخلّي عن جميع عقائدهم وأعمالهم السّابقة، واحتفظوا بشيء منها، ونقلوه إلى الأجيال التالية عن قصد أو عن غير قصد. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الذين أسلموا حديثًا، وما زالوا متأثّرين بعقائدهم وأعمالهم السّابقة، تسلّلوا إلى حكومة المسلمين في عهد عمر وعثمان، وكذلك الحكّام الأمويّين والعبّاسيّين، وخلّطوا عقائدهم وأعمالهم بعقائدهم وأعمالهم؛ لدرجة أنّ كتب الحديث للمسلمين امتلأت بقصص اليهود والنّصارى وأساطيرهم، وأصبحت رواياتهم الخاطئة والكاذبة عن التوراة والإنجيل أساسًا لتفسير القرآن، بل تجاوز الأمر إلى أن دخلت آراؤهم المعادية للإسلام أيضًا في أهمّ كتب المسلمين، وأصبحت أساسًا لمعرفتهم بالإسلام؛ كما على سبيل المثال، دخلت في صحيح البخاري روايات من اليهود تتوافق مع عقائدهم وتتعارض مع عقائد المسلمين بشكل واضح؛ كما على سبيل المثال، دخلت فيه رواية تزعم أنّ يهوديًّا أعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بوجود أصابع للّه وأثار تصديقه وإعجابه،