هذا يعني أنّ اللّه، بصفته حاكم الكون، في فعل معقول تمامًا، يمارس حكمه من خلال تعيين نائب له؛ كما يفعل جميع العقلاء نفس الشيء لممارسة حكمهم، ومن الواضح أنّه تعالى خالق العقلاء ورئيسهم؛ كما قال: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وقال: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾؛ كما على سبيل المثال، آتى حكومته طالوت عليه السّلام، بينما كان أصحاب نبيّه غير راضين بحكومته، ويحسبون أنّهم أحقّ بالحكومة منه؛ كما قال: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
هذا من الطبيعيّ والمفهوم تمامًا أنّ حكومة اللّه تتحقّق إذا كان اختيار الحاكم بيده؛ لأنّه ما دام اختيار الحاكم بيد الغير وليس بيده، فلا يمكن اعتبار الحكومة له، وهذا ما أشار إليه بنفسه إذ قال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، وقال: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. لذلك، لا معنى لكون الحاكميّة له في الواقع العمليّ إلا أنّها تستند إلى اختياره بغضّ النظر عن اختيار الآخرين؛ كما قال: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
بعبارة أخرى، مصير الحاكميّة في الإسلام إلى إذن اللّه، بل لا شرعيّة لأمر من الأمور إلّا بانتهائه إلى إذنه، وهذا من أهمّ القواعد الأساسيّة في الإسلام؛ كما قال مرارًا وتأكيدًا: ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾، وقال: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾، وقال: ﴿وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، وقال: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.