بالجملة فإنّ الجهل بالإسلام يؤدّي إلى ضلال المسلمين، والجهل بالمسلمين يؤدّي إلى تفرّقهم، والجهل بالكافرين يؤدّي إلى انهزامهم، وهذه هي الطامّة التي قد حلّت بهم والفتنة التي قد عمّتهم، والطريق الوحيد للتخلّص منها هو طلب العلم ونشره في الجهات الثلاثة.
٢ . التقليد
مانع آخر للمعرفة، كما اتّضح، «التقليد»، وهو اتّباع قول الآخر أو فعله بدون دليل، وقد شاع في خمسة أنواع:
[الأوّل؛ تقليد السّلف]
أحد أنواع التقليد الشائعة، هو اتّباع قول السّلف وفعلهم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾. هذا لأنّ الكثير من النّاس يعتقدون أنّ ما قاله وفعله سلفهم هو أصحّ بالضّرورة ممّا يقولونه ويفعلونه، مع أنّ هذا الإعتقاد مجرّد وهم، ولا أساس له في العقل؛ إذ لا شكّ أنّ أصحّيّة ما يقوله ويفعله الإنسان لا تتبع وقت ولادته، بل هي تابعة لتوافقه الأكثر مع العقل، وذلك لا يتلازم مع تقدّم ولادة الإنسان؛ كما أنّه لا بحث في عدم صحّة كثير من أقوال السّلف وأفعالهم، بل حَكَم اللّه تعالى بأنّ أكثرهم ضلّوا وهلكوا؛ كما قال: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ﴾، وقال: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ﴾. هذا يعني أنّ اتّباع السّلف اعتبارًا لتقدّمهم الزمنيّ، يتعارض مع أصول الإسلام، بل ضروريّاته؛ بناء على أنّ ضروريّ الإسلام هو كلّ ما يُعلم من صريح قول اللّه تعالى في كتابه، ولا شكّ أنّ عدم ضرورة اتّباع السّلف هو من هذا القبيل؛ لأنّ اللّه تعالى قال في كتابه بصراحة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾، وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾، وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾،