وقت غريب. لا يفهم المرء مزاج أهل اليوم وأخلاقهم. لقد تغيّروا وليس من الواضح في أيّ وادٍ يهيمون وماذا يطلبون. ما هو معيارهم وما هي مفضّلاتهم وآمالهم. لقد تغيّرت وانقلبت سلائقهم وأذواقهم؛ لا يستمتعون بالأشياء الحسنة والمفيدة ويبتعدون عنها، ولكن يظهرون الشوق إلى الأشياء السيّئة والضارّة ويقبلون عليها. يكرهون ما فيه خير لهم ويفرّون منه، ولكن ينجذبون إلى ما فيه شرّ لهم ويلتحقون به. إن جاءهم شيطان مريد مع ألف تلبيس وادّعاء باطل وأراد نهب أموالهم وأنفسهم يتعشّقونه ويتّبعونه، ولكن إن أتاهم عالم ناصح لا يدّعي لنفسه شيئًا مع علم وافر وحكمة ظاهرة وأراد إرشادهم إلى سبيل السعادة، يحقدون عليه ويقفون في وجهه ويحادّونه! حقًّا لقد حان آخر الزمان؛ العصر المقلوب؛ العصر الذى كان الأسلاف يخشونه ويعوذون باللّه منه! إذا نظرت إلى ما حولك رأيت أمثلة كثيرة على هذه الحالات، وكان منها عرض محزن شاهدته في هذه الأشهر الماضية.
قبل بضعة أشهر قرأت كتابًا علميًّا وإسلاميًّا اسمه «العودة إلى الإسلام» من عالم كبير اسمه المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، فوجدته كتابًا مفيدًا ومهمًّا ورائعًا للغاية، فأردت أن أقدّمه إلى بعض من أعرفهم ليقرؤوه ويستفيدوا منه كما فعلت، لكنّني رأيت ردود فعل مربكة منهم جعلت صدري ضيّقًا.
يا له من أمر عجيب أن تقول لمن يشكو دائمًا انحطاط المجتمعات وانحراف المذاهب وسوء أعمال المسلمين أن اقرأ هذا الكتاب لتعرف العلّة الرئيسيّة لهذه المصائب، فيقول لك: إنّي مشغول ولديّ مشاكل!! فتقول: إنّ حلّ مشاكلك ومشاكل المسلمين كلّها في هذا الكتاب، فيقول: سأقرأه إذا سنحت لي فرصة!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا التناقض!
يا له من أمر مؤلم أن تعطي هذا الكتاب لمن يبدو أهل دراسة وبحث ويدّعي أنّه طالب علم وتقول له: اقرأه، فإنّه أنفع كتاب يمكن أن تقرأه في حياتك، فيقول لك: ما اسم مؤلّفه؟! ما هو مذهبه؟! ما هي درجته؟! أين درس ومن صدّقه من العلماء المشهورين؟! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الهامشيّة والسطحيّة!
يا له من أمر مدهش أن تسأل عالمًا وهو أهل التدريس والوعظ، عن هذا الكتاب المليء بالآيات القرآنيّة والأدلّة العقليّة، فيقول لك: إنّي أعطيت هذا الكتاب لمن يعرف الرمل والجفر والطلسمات ويقرأ أفكار الناس وله عين برزخيّة، فقال: هذا الكتاب احتيال!!! سبحان اللّه! صاحب الرمل والجفر والطلسمات الذي يدّعي علم الغيب وقد أقام دكّانًا لقراءة أفكار الناس، لا يُعتبر محتالًا، ولكن مؤلّف كتاب علميّ مستند إلى القرآن والسنّة، يُعتبر محتالًا!!! وذلك أيضًا بحكم صاحب الرمل والجفر والطلسمات!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الرؤية المقلوبة!
يا له من أمر مؤسف أن تعطي الكتاب لرجل ليقرأه ويرى ما فيه من الحقّ الواضح بعينيه، فقبل أن يفتح الكتاب يذهب به إلى شيخه ليقول له هل يقرأه أم لا!!! فيقول له شيخه: أنا أعرف صاحب هذا الكتاب (يعني المنصور الهاشمي الخراساني)! هو دجّال بالعراق، اسمه أحمد الحسن اليماني!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الحماقة!
يا له من أمر مرعب أن تعرف رجلًا مولعًا بشراء الكتب وقراءتها -وما أكثرها إلا ظنون وأوهام-، فإذا أعطيته هذا الكتاب المستند إلى الأدلّة اليقينيّة مجّانًا، تقلّب مزاجه وجاءه كلّ ضعف وكسل! لأنّه بعد شهر وبضعة أيّام لم يجاوز الصفحة ٩٠ من الكتاب، وهو لا يطيق أن يواصل قراءته!! فتسأله عن ذلك فيقول: لم أجد فيه شيئًا مهمًّا!!! وكان فيه أخطاء كثيرة!!! فتقول: اذكر لي واحدًا من أخطائه! فيقول: مثلًا قد رفض تقليد العلماء، وأنكر ولاية الفقيه، وقال أنّ أئمّة أهل البيت لم يكونوا يعلمون الغيب!!! أظنّ أنّ مؤلّفه رجل وهّابيّ!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا الجهل المركّب!
يا له من أمر مسيء أن تقدّم الكتاب إلى صديقك القديم اعتبارًا لهذه الصداقة وحرصًا على سعادته لعلّه يعرف ما خفي عليه من الحقّ ويهتدي إلى الدّين الخالص، ولكنّه يقطع علاقته معك بالكامل، كأنّه قد وقف على شبكة تجسّس أو واجه خطرًا رهيبًا!!! فتسأل عنه بعض جلسائه فيقولون: كان يذكرك، فيقول فلان قد تشيّع وأصبح رافضيًّا!!! أعطاني كتابًا فيه أنّ آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وأنّ طاعة أهل البيت واجبة لقول النّبيّ: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا العناد والتعصّب المذهبيّ!
إنّا للّه وإنّا إليه راجعون! لو خرّت عليك السماء خير من أن ترى هذه المواجهات المريضة والمربكة من هؤلاء المدّعين للإسلام مع هذا الكتاب الإسلاميّ العظيم!
يا للعجب أن تقول للعالم والعامّي، والصغير والكبير، والذكر والأنثى من هذه الأمّة: اقرؤوا، واعلموا، وتفكّروا، لكنّهم يتثاءبون في وجهك وينظرون إليك بعيون حمراء ومنتفخة، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾[١]!
ما هذه البليّة التي نزلت بنا أن لا نسمع صوتًا بهذا الوضوح ولا نفهم قولًا بهذا السّداد؟! ما الذي أصابنا أن لا يدخل القول الصحيح والمنطقيّ تمامًا في آذاننا، ولكن نقبل بسهولة أقوالًا خاطئة وفارغة؟! إذا تكلّم أحد بكلام هراء وقال في خلاله كلامًا نصفه صحيح أحيانًا، نقول له: أحسنت وبارك اللّه فيك، ولكن لا نتفوّه بكلمة جميلة عن كتاب لم يأت في سطر من سطوره بما لا دليل عليه ولم يخالف في شيء من عباراته القرآن والسنّة والعقل، بل ننظر إليه بأعين مرتابة ووجه عابس، متّبعين لظنّ السوء، أن عسى أن يكون خداعًا!!
ويلكم، كيف يمكن أن يكون القرآن خداعًا؟! ألا ترون أنّ هذا الكتاب قد ملئ بآيات القرآن؟! هل من الممكن أن يكون خداعًا ما ليس فيه إلا الحقّ؟! هل هو خداع لأنّه لا يتوافق بالكامل مع آرائكم؟! هل آراؤكم كلّها وحي منزل من عند اللّه ومن المستحيل أن يكون فيها شيء من الخطأ؟! السؤال المهمّ هو هذا: هل أنتم تخافون أن يكون هذا الكتاب باطلًا أم حقًّا؟! ما نراه اليوم في العالم الإسلاميّ قد جعل الإجابة على هذا السؤال صعبًا ومخيفًا للغاية!!
هل لو كان هذا الكتاب مثل آلاف الكتب الأخرى التي تكرّر ما يقول الناس تمامًا بغير نقد ولا مراجعة ولا تدقيق، لكان كتابًا جيّدًا ومفيدًا، والآن بعد أن أعاد النظر في جميع ما يقول الناس وأمعن في ذلك، مجانبًا للتقليد الأعمى ومستندًا إلى ما لا يرقى إليه الشكّ من الأدلّة العقليّة والشرعيّة، قد أصبح كتاب سوء ولا ينبغي قراءته؟!! أين هذا من قول اللّه تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[٢]؟!
يا للعجب من هذا العصر المقلوب!!
يرحم اللّه تعالى أمّة نبيّه المتخلّفة والمريضة والمنكسرة ويمنحهم فرصة أخرى؛ لأنّهم قد وقعوا في ورطة سوء، وفي ظلّ هذا الوضع ينتظرهم مصير مشؤوم! ولو أنّ اللّه تعالى قال أنّه لن يغيثنا وسنكون منسيّين عنده وعندنا ما لم نغيّر ما بأنفسنا بأيدينا، إذ قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[٣] وقال: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾[٤] وقال: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾[٥].
نعم، منّا علينا!!