وقال: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. بهذا يتّضح أنّ الإعتقاد بضرورة اتّباع السّلف لا أصل له في الإسلام، وهو من اعتقادات المشركين، ويُعتبر مانع المعرفة لأنّ أهله يحسبون الحقّ باطلًا إذا كان مخالفًا لأقوال السّلف أو أفعالهم؛ إذ يزعمون أنّه لو كان حقًّا لما خفي عن السّلف، وكلّ ما خفي عن السّلف فهو بدعة؛ كما أخبر اللّه تعالى عن قولهم فقال: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾!
[عدم ضرورة اتّباع السّلف]
هذا يلقي الضوء على عدم صحّة نهج السّلفيّين الذين يعتقدون بضرورة اتّباع السّلف؛ لأنّ اتّباع السّلف، إذا كان باعتبار اتّباعهم للعقل، فإنّ العقل موجود للخلف أيضًا، ومع وجوده لا معنى لاتّباع السّلف، وإذا كان باعتبار اتّباعهم للشّرع، فإنّ الشّرع موجود للخلف أيضًا، ومع وجوده فإنّ اتّباعه أولى من اتّباع السّلف، بل اتّباع السّلف باعتبار اتّباعهم للعقل والشّرع، عمل متناقض؛ لأنّ اتّباع السّلف في حالة اتّباعهم للعقل والشّرع، مستلزم لاتّباع العقل والشّرع، لا السّلف؛ بالنّظر إلى أنّ السّلف -حسب الفرض- اتّبعوا العقل والشّرع ولم يتّبعوا السّلف، ولذلك فإنّ اتّباع السّلف يقتضي عدم اتّباع السّلف!
نعم، لو كان السّلف بمقتضى كونهم أقرب إلى مبدأ الشّرع أعلم بالشّرع قطعًا، لكان اتّباعهم على أمل الإقتراب من اتّباع الشّرع لا يخلو من وجه، ولكنّ ذلك ليس أمرًا مقطوعًا به؛ لأنّ كونهم أقرب إلى مبدأ الشّرع لا يستلزم كونهم أعلم بالشّرع، ولعلّه يستلزم خلاف ذلك من بعض النواحي؛ لأنّه عادة ما تكون معرفة شيء ظهر منذ عهد قريب أكثر صعوبة من معرفة شيء ظهر سابقًا، بالنّظر إلى أنّه بطبيعة الحال قد كان هناك فرصة أقلّ لمعرفته، وأُنفق وقت أقلّ للتعرّف عليه، واكتُسبت تجربة أقلّ حوله، واطّلع عليه عدد أقلّ، وهذا يقتضي معرفة أقلّ به، كما أنّه لا يتمّ التعرّف على العديد من الأشياء الجديدة في بداية حدوثها، ويصبح التعرّف عليها أكثر سهولة وانتشارًا بمرور الوقت فقطّ، ولذلك لم يزل علم المتأخّرين بالأمور التي لا تختصّ بوقت معيّن أكثر من علم المتقدّمين، وهذا واقع محسوس ومجرّب؛