لأنّ أكثر المسلمين، بتقليدهم الأعمى للأمويّين والتيّار الذي استولى على السّلطة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لم يعتبروا انعقاد الحكومة الإسلاميّة قائمًا على نصّ اللّه، ولكن على بيعة أهل الحلّ والعقد، أو وصيّة الحاكم السّابق، أو التغلّب على الآخرين؛ بمعنى أنّه إذا بايع واحد أو عدّة من ذوي الرأي المسلمين رجلًا بحكومة المسلمين، كما بايعوا أبا بكر في السّقيفة، أو تعيّن رجل من قبل الحاكم السّابق في حكومة المسلمين، كما تعيّن عمر من قبل أبي بكر، أو نحّى رجل منافسيه بالقهر والغلبة وانتزع حكومة المسلمين، كما صعد المأمون العبّاسيّ (ت٢١٨هـ) إلى السّلطة بقتل أخيه، تصبح مبايعته واجبة على جميع المسلمين!
من الواضح والمؤكّد تمامًا أنّ مصدر هذا الإعتقاد لم يكن كتاب اللّه ولا سنّة نبيّه، وهذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين؛ لأنّهم يظنّون أنّ اللّه ونبيّه لم يقولا شيئًا عن حكومة المسلمين، وقد تركاهم في حيرة واختلاف حولها، ولذلك لم يدّع أحد منهم استنباط هذا الإعتقاد من القرآن أو السّنّة، بل هم جميعًا معترفون بأنّ مصدر هذا الإعتقاد كان أفعال عدد من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والحكّام الأمويّين والعبّاسيّين، في حين أنّهم جميعًا يعلمون أنّ أفعال هؤلاء، خاصّة إذا كانت مصحوبة بمخالفة عدد من أقرانهم، لم تكن حجّة! لذلك، يبدو الأمر كما لو أنّهم ملمّون ومذعنون بأنّ اعتقادهم لا أساس له، وإنّما سلّموا به تسامحًا وتغافلًا ومن أجل تصحيح أفعال عدد من السّلف. في حين أنّ مصدر اعتقاد المسلمين هو الإسلام بالتأكيد، والإسلام هو قول اللّه ونبيّه وفعلهما، وليس قول الآخرين وفعلهم، وإن كانوا محترمين ومعظّمين جدًّا، واللّه ونبيّه قالا وفعلا كلّ ما يحتاج المسلمون إلى العلم به أو العمل به إلى يوم القيامة، والإقرار بهذه الحقيقة واجب ولازم الإعتقاد بالإسلام؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ﴾. بناء على هذا، فإنّ الإستناد إلى أساس حكومة عدد من الصّحابة والحكّام من بعدهم لمعرفة أساس الحكومة في الإسلام، مخالف للقاعدة ولا أصل له في الشّرع؛