في حين أنّ الظنّ يختلف باختلاف الأسباب، والتخمين يتعدّد بتعداد الآدميّين، وهذا لا يخلق شيئًا سوى التنازع؛ كما لم يخلق شيئًا سوى التنازع، والمسلمون منخرطون في التنازع أينما كانوا.
[الجهل بأهل الإسلام]
من جهة أخرى، هم لا يعرفون بعضهم البعض، وليس لديهم علم بآراء بعضهم البعض، ولذلك لا يحبّون بعضهم بعضًا، ويتّهمون بعضهم بعضًا بالأمور السّيّئة، في حين أنّهم ليسوا على بيّنة بما ينسبونه، وإنّما يتّبعون الظنّ السوء؛ لأنّه قد انقطع الترابط بينهم، وأصبحوا متفرّقين من حيث المذهب والسّياسة والعنصر؛ كالذين قال اللّه تعالى فيهم: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾؛ كما أنّ المسلمين السّنّة يبغضون المسلمين الشّيعة، وأنّ المسلمين في بلد يعتبرون مسلمي سائر البلاد أجانب، وأنّ المسلمين العرب يترفّعون عن المسلمين العجم، وهذا يرجع إلى جهلهم بالقواسم المشتركة بينهم نتيجة للإنقسامات المذهبيّة والسّياسيّة والعنصريّة التي لا أصل لأيّ منها في الإسلام. من الواضح أنّهم لو كانوا على اتّصال مع بعضهم البعض بما فيه الكفاية، لأدركوا القواسم المشتركة بينهم، وحلّوا خلافاتهم على أساس تلك القواسم. على سبيل المثال، لو كان لدى المسلمين السّنّة اتّصال مع المسلمين الشّيعة بما فيه الكفاية، لوجدوا أنّهم مؤمنون بأصول الإسلام وملتزمون بمبانيه، ولا يعتبرون القرآن محرّفًا، ولا يرمون أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا يسبّون أصحابه، إلّا بعض عوامّهم، ولذلك ليس هناك دليل لمعاداتهم جميعًا. إنّي لأشعر بالحزن الشّديد عندما أرى أنّ العديد من المسلمين السّنّة في السّعوديّة والعراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وبلاد أخرى يعتبرون محاربة المسلمين الشّيعة جهادًا ويفضّلونها على محاربة الكفّار الحربيّين، مع أنّ عقائد المسلمين الشّيعة وأعمالهم، وإن كان فيها بعض الإختلاف عن عقائد المسلمين السّنّة وأعمالهم، هي في إطار الإسلام، ولذلك لا وجه لمحاربتهم، بل موالاتهم واجبة. لقد تحدّثت مع العديد من المسلمين السّنّة؛ إنّهم لا يعرفون عن المسلمين الشّيعة شيئًا إلّا ما سمعوه من المسلمين السّنّة؛ لأنّهم لا يتحدّثون مع المسلمين الشّيعة، ولا يقرأون كتبهم المعتبرة، ويكذّبونهم وهم لا يعلمون آراءهم وأدلّتهم؛ كالذين قال اللّه تعالى فيهم: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾،